يشهد نظام النقل في دبي تحولاً ملحوظًا، حيث يتقدم بخطى أسرع من أي وقت مضى نحو مستقبل أكثر ذكاءً وترابطًا. وفي قلب هذا التطور، تكمن قوتان دافعتان: الذكاء الاصطناعي (AI) والبيانات الضخمة (Big Data) . تصوّر الذكاء الاصطناعي كأنه العقل، فهو يمكّن الأنظمة من التعلم وحل المشكلات واتخاذ القرارات كالبشر . أما البيانات الضخمة، فهي الوقود – كميات هائلة من المعلومات يتم إنشاؤها باستمرار، وتكشف عن أنماط خفية حول كيفية تحركنا . تستغل هيئة الطرق والمواصلات في دبي (RTA) هذه التقنيات لتحقيق رؤيتها الطموحة: أن تصبح "الرائدة عالميًا في التنقل السلس والمستدام" . هذا النهج القائم على التكنولوجيا لا يقتصر فقط على تسهيل التنقلات اليومية؛ بل هو جزء أساسي من خطة دبي الكبرى لتكون واحدة من أذكى وأسعد مدن العالم، باستخدام الابتكار لتعزيز الحياة اليومية . مخطط هيئة الطرق والمواصلات: الاستراتيجية والتعاون في مجال الذكاء الاصطناعي والبيانات
لا تقتصر جهود هيئة الطرق والمواصلات على تجربة الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة فحسب؛ بل تعمل على دمجهما في صميم استراتيجيتها . تمتلئ الاستراتيجية الرقمية للهيئة 2023-2030 بالمبادرات التي تركز على تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتعزيز قدرات تحليل البيانات . ومن الركائز الأساسية لذلك، المنصة المؤسسية المخصصة للذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات، وهي محرك قوي مصمم لمعالجة احتياطيات البيانات الهائلة لدى الهيئة وبناء نماذج تعلم آلي متطورة دون الحاجة إلى برمجة معقدة من الصفر . تدعم هذه المنصة أكثر من 100 استخدام محتمل للذكاء الاصطناعي، بدءًا من التنبؤ باحتياجات الصيانة وحتى إدارة الحشود . تدرك هيئة الطرق والمواصلات أن الابتكار يزدهر بالعمل الجماعي، لذا أقامت شراكات رئيسية مع عمالقة التكنولوجيا العالميين مثل Alibaba Cloud لمشروع "City Brain"، وGoogle للحصول على رؤى حول حركة المرور، وشركة du لتطوير التوائم الرقمية، بالإضافة إلى التعاون مع هيئات دولية مثل الأمم المتحدة . وتستند هذه الجهود إلى أساس تم وضعه قبل سنوات مع النجاحات المبكرة مثل مترو دبي الآلي ومركز التحكم والقيادة المؤسسي المتقدم (EC3) . الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة قيد التنفيذ: إحداث ثورة في طرق دبي ووسائل النقل العام
دعنا نلقي نظرة على كيفية إحداث هذه التكنولوجيا فرقًا حقيقيًا على أرض الواقع.
أنظمة المرور الذكية (ITS): ترويض الازدحام
يُعد مركز أنظمة المرور الذكية (ITS) التابع لهيئة الطرق والمواصلات في البرشاء مركزًا عصبيًا عالمي المستوى لإدارة شبكة الطرق في المدينة . ويعتمد على الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة وإنترنت الأشياء (IoT) للحفاظ على تدفق حركة المرور . يستخدم نظام iTraffic الحالي الذكاء الاصطناعي لاتخاذ قرارات أكثر ذكاءً، ويتصل بسلاسة مع إشارات المرور في جميع أنحاء المدينة . لكن القفزة التالية هي UTC-UX Fusion، وهو نظام تحكم في إشارات المرور مدعوم بالذكاء الاصطناعي ومن المتوقع إطلاقه بحلول منتصف عام 2026 . يستخدم هذا النظام التحليلات التنبؤية والتوائم الرقمية لتوقع تدفق حركة المرور، بهدف تقليل الازدحام وأوقات الرحلات بنسبة 10-20% . يقوم الذكاء الاصطناعي أيضًا بمعالجة البيانات من أجهزة الاستشعار والكاميرات وحتى خرائط Google للتنبؤ بالازدحامات، وتوجيه السائقين عبر لوحات الرسائل المتغيرة (VMS) . وقد استكشفت تجارب مثل مشروع "City Brain" من Alibaba المزيد من إمكانات الذكاء الاصطناعي، وتهدف هيئة الطرق والمواصلات إلى تغطية أنظمة المرور الذكية بنسبة 100% بحلول عام 2026 . تعزيز السلامة: الكشف السريع عن الحوادث وإدارتها
تحظى السلامة أيضًا بدفعة كبيرة من الذكاء الاصطناعي. تقوم أنظمة الذكاء الاصطناعي بتحليل بيانات كاميرات المراقبة وأجهزة الاستشعار لاكتشاف الحوادث أو الأعطال تلقائيًا، وغالبًا ما يكون ذلك أسرع بكثير من المشغلين البشريين . أدى هذا الكشف السريع إلى تحسين مراقبة الحوادث بنسبة 63% وتقليل أوقات الاستجابة بنسبة 30% في مركز أنظمة المرور الذكية . إن وصول المساعدة إلى مكان الحادث بشكل أسرع يقلل من التأخير والحوادث الثانوية . تتم مشاركة المعلومات حول الحوادث بسرعة عبر لوحات الرسائل المتغيرة والتطبيقات، مما يساعد السائقين على تغيير مسارهم بسلاسة . تحسين تدفق وسائل النقل العام
يعيد الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات تشكيل وسائل النقل العام. من خلال تحليل بيانات تسجيل الدخول والخروج لبطاقة نول، تفهم هيئة الطرق والمواصلات تدفقات الركاب وأوقات الذروة والمحطات المزدحمة . تتيح هذه الرؤية إجراء تعديلات أكثر ذكاءً على مسارات الحافلات، مما قد يقلل من أوقات السفر – أظهرت التجارب توفيرًا بنسبة 13.3% . حتى أن تطبيق سهيل (S'hail) يستخدم اقتراحات جماعية، تتم معالجتها بواسطة الذكاء الاصطناعي، لتحسين الشبكة . يعمل الذكاء الاصطناعي على تحسين جداول مترو دبي، وإدارة الحشود، والمساعدة في تقليل التكاليف التشغيلية . ستتميز الحافلات المستقبلية بأنظمة العد الآلي للركاب (APC) للحصول على رؤى فورية حول الطلب والمساعدة في معالجة التهرب من دفع الأجرة . الصيانة التنبؤية: الحفاظ على حركة دبي بشكل موثوق
انسَ انتظار الأشياء حتى تتعطل؛ فالذكاء الاصطناعي يتنبأ باحتياجات الصيانة قبل حدوثها. تقوم المركبات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي بمسح الطرق بحثًا عن الشقوق والحفر بدقة عالية (أكثر من 85%)، مما يقلل من أوقات الفحص بشكل كبير (بنسبة 70% أو أكثر) . بالنسبة للمترو، يحلل الذكاء الاصطناعي بيانات أجهزة الاستشعار من المحولات والسلالم المتحركة، ويتنبأ بالأعطال لمنع انقطاع الخدمة . حتى أن هيئة الطرق والمواصلات تستكشف التوائم الرقمية مع شركاء مثل du لمراقبة الأصول الافتراضية . وبالمثل، يتتبع نظام مراقبة أداء الحافلات عن بُعد حالة الحافلات في الوقت الفعلي، مما يحسن الصيانة ويساهم في توفير الوقود . رحلات أذكى: أدوات تخطيط مدعومة بالذكاء الاصطناعي
أصبح تخطيط رحلتك أكثر ذكاءً أيضًا. يستخدم تطبيق سهيل (S'hail) في دبي الذكاء الاصطناعي، على الأرجح لتقديم اقتراحات مسارات مخصصة وتحديثات في الوقت الفعلي، على الرغم من عدم تفصيل التفاصيل بخلاف التعهيد الجماعي . يعد الوصول إلى خلاصات البيانات في الوقت الفعلي من جميع أنحاء شبكة النقل أمرًا بالغ الأهمية لتوفير معلومات دقيقة ومحدثة عن الرحلات . تشكيل المستقبل: صنع السياسات القائمة على البيانات
كل هذه البيانات المجمعة لا تعمل فقط على تحسين العمليات اليومية؛ بل تشكل الاستراتيجية طويلة المدى. يساعد تحليل الاتجاهات في حركة المرور واستخدام وسائل النقل العام والحوادث هيئة الطرق والمواصلات على اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن البنية التحتية الجديدة أو تغييرات الخدمة . يضمن هذا النهج القائم على البيانات تطور نظام النقل بشكل مستدام لتلبية الاحتياجات المستقبلية . حتى أن هيئة الطرق والمواصلات تستكشف طرقًا لتحقيق الدخل المحتمل من رؤى البيانات المجهولة المصدر، مع احترام لوائح الخصوصية دائمًا . غرفة المحركات: مصادر البيانات التي تغذي النقل الذكي في دبي
من أين تأتي كل هذه البيانات القوية؟ إنها مزيج متنوع. تتدفق المعلومات في الوقت الفعلي من أجهزة استشعار المرور المدمجة في الطرق، وشبكة واسعة من كاميرات المراقبة، وبطاقات نول المستخدمة على نطاق واسع لمدفوعات النقل العام . تضيف بيانات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) من أسطول هيئة الطرق والمواصلات الخاص (الحافلات وسيارات الأجرة) والبيانات التي يُحتمل مشاركتها من شركاء خدمات نقل الركاب طبقة أخرى . تساهم ملاحظات الركاب عبر تطبيقات مثل سهيل (S'hail)، والبيانات عن بُعد من المركبات التي تبلغ عن حالتها، وأجهزة استشعار الطقس التي تتوقع الظروف، وحتى مركبات الفحص المتخصصة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي في هذا الكم الهائل من البيانات . تتطلب إدارة هذا الحجم الهائل بنية تحتية متطورة، مثل منصة البيانات الضخمة الخاصة بهيئة الطرق والمواصلات . الصورة الأكبر: ربط جهود هيئة الطرق والمواصلات بدبي الذكية
لا تعمل هيئة الطرق والمواصلات بمعزل عن غيرها؛ بل إن عملها جزء حيوي من مبادرة دبي الذكية على مستوى المدينة، بقيادة دبي الرقمية . كشريك رئيسي، تساهم هيئة الطرق والمواصلات بشكل كبير في بُعد "Smart Mobility"، بهدف جعل دبي مدينة فعالة ومست