تخيل مدينة براقة ترتفع من رمال الصحراء، مركزًا عالميًا ينبض بالحياة والتجارة والسياحة. الآن، تصور التحدي الهائل المتمثل في توفير المياه لإدامة هذه المدينة النابضة بالحياة. دبي، الواقعة في منطقة قاحلة يقل معدل هطول الأمطار السنوي فيها عن 100 ملم ولا توجد بها مسطحات مائية عذبة طبيعية رئيسية، تواجه معركة مستمرة من أجل الأمن المائي. يتطلب تلبية الطلب المرتفع على المياه، الذي يغذيه النمو السكاني والتنمية، حلولًا مبتكرة وإدارة استراتيجية. هيئة كهرباء ومياه دبي (ديوا) هي اللاعب الرئيسي الذي يدير هذا المورد الحيوي. يستكشف هذا المقال نهج دبي المثير للإعجاب ثلاثي المحاور للحفاظ على تدفق المياه من الصنابير: التحلية المتقدمة، وإعادة تدوير المياه الشاملة، وجهود الحفاظ المخصصة. تحدي المياه في دبي: الازدهار في الصحراء
إن وجود دبي في حد ذاته شهادة على التغلب على القيود البيئية. الواقع القاسي هو مناخ شديد الجفاف مع ندرة شديدة في المياه العذبة الطبيعية. على عكس المدن التي تنعم بالأنهار أو الأمطار الغزيرة، يجب على دبي أن تخلق معظم مياهها. يتفاقم هذا التحدي الأساسي بسبب النمو المذهل للمدينة، الذي يجذب ملايين السكان والسياح الذين يحتاجون جميعًا إلى المياه للشرب والصرف الصحي والحياة اليومية. تقع مسؤولية إرواء هذا العطش إلى حد كبير على عاتق هيئة كهرباء ومياه دبي (ديوا)، وهي الجهة الحكومية المكلفة بتوفير الكهرباء والمياه بشكل موثوق. كيف تدير دبي هذا الأمر؟ تعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا والتخطيط الاستراتيجي، مع التركيز على تحويل مياه البحر إلى مياه شرب، وإعادة استخدام كل قطرة ممكنة، وتشجيع الجميع على توفير المياه. دعنا نلقي نظرة على كيفية عمل هذه الاستراتيجيات معًا. تحلية المياه: تحويل مياه البحر إلى شريان حياة
إذن، من أين تأتي معظم مياه دبي فعليًا؟ الإجابة تكمن في الخليج العربي الشاسع. تحلية المياه، وهي عملية إزالة الملح من مياه البحر، هي حجر الزاوية المطلق لإمدادات المياه في دبي، حيث توفر حوالي 90٪ من المياه الصالحة للشرب في المدينة. فكر في الأمر – كل كوب ماء صنبور تقريبًا يبدأ كمياه بحر. تدير هيئة كهرباء ومياه دبي (ديوا) محطات تحلية ضخمة، ويعتبر مجمع جبل علي لإنتاج الطاقة وتحلية المياه عملاقًا عالميًا – وهو أكبر مجمع في موقع واحد في العالم لإنتاج الطاقة وتحلية المياه. هذا يسلط الضوء على مدى أهمية تحلية المياه لبقاء المدينة وازدهارها. تاريخيًا، اعتمدت دبي بشكل كبير على تقنية تسمى التقطير الومضي متعدد المراحل (MSF). على الرغم من فعاليتها، تستهلك تقنية MSF الكثير من الطاقة، حيث تقوم بشكل أساسي بغلي مياه البحر على مراحل لتجميع البخار العذب. حتى أواخر عام 2022، كانت هيئة كهرباء ومياه دبي (ديوا) لا تزال تشغل 43 وحدة MSF تنتج 427 مليون جالون إمبراطوري يوميًا (MIGD). ومع ذلك، يتجه المستقبل نحو طريقة أكثر كفاءة في استخدام الطاقة: التناضح العكسي لمياه البحر (SWRO). تستخدم تقنية SWRO ضغطًا عاليًا لدفع مياه البحر عبر أغشية خاصة، مما يؤدي إلى تصفية الملح. إنها تستهلك طاقة أقل بكثير، ويمكن أن تعمل بشكل مستقل عن محطات الطاقة، وتساعد في تقليل انبعاثات الكربون. تعمل هيئة كهرباء ومياه دبي (ديوا) بشكل استراتيجي على زيادة قدرتها الإنتاجية من SWRO، بهدف أن تشكل 42٪ من الإجمالي بحلول عام 2030، وهي قفزة كبيرة من 13٪ حوالي عام 2022. بحلول أواخر عام 2022، بلغت قدرة SWRO الإنتاجية 63 مليون جالون إمبراطوري يوميًا (MIGD)، لكن هذا الرقم ينمو بسرعة. يظل مجمع جبل علي قلب العمليات، حيث تتراوح سعته الإجمالية حوالي 490-495 مليون جالون إمبراطوري يوميًا (MIGD). ولكن هناك أشياء كبيرة تحدث على الساحل في حصيان (Hassyan). يجري بناء محطة SWRO جديدة ضخمة هناك، ومن المقرر أن تضيف 180 مليون جالون إمبراطوري يوميًا (MIGD) أخرى في مرحلتها الأولى. هذه المحطة ستغير قواعد اللعبة؛ إنها أول مشروع منتج مستقل للمياه (IWP) لهيئة كهرباء ومياه دبي (ديوا) وتهدف إلى أن تكون أكبر محطة لتحلية المياه بالطاقة الشمسية في العالم عند اكتمالها حوالي عام 2026/2027. بشكل عام، من المتوقع أن تقفز قدرة تحلية المياه في دبي من حوالي 495 مليون جالون إمبراطوري يوميًا (MIGD) حاليًا إلى 670 مليون جالون إمبراطوري يوميًا (MIGD) بحلول عام 2026، وأن تصل إلى 730-735 مليون جالون إمبراطوري يوميًا (MIGD) بحلول عام 2030. الهدف النهائي؟ بحلول عام 2030، تخطط هيئة كهرباء ومياه دبي (ديوا) لإنتاج 100٪ من مياهها المحلاة باستخدام مزيج من الطاقة النظيفة، بشكل أساسي الطاقة الشمسية والحرارة المهدورة المستعادة، مما يجعل إنتاج المياه مستدامًا حقًا. إغلاق الحلقة: إعادة تدوير المياه المتقدمة في دبي
تحلية المياه أمر حيوي، لكنها تستهلك الكثير من الطاقة. لهذا السبب تركز دبي بنفس القدر على تعظيم الاستفادة من كل قطرة من خلال إعادة تدوير المياه المتقدمة، وهو جزء أساسي من استراتيجية دبي المتكاملة لإدارة الموارد المائية 2030. لماذا إعادة التدوير؟ إنها تقلل بشكل كبير من الحاجة إلى المزيد من المياه المحلاة، مما يوفر الطاقة ويحمي موارد المياه الجوفية المحدودة والمجهدة في الإمارة. فكر في الأمر على أنه إغلاق لحلقة المياه. اللاعب النجم هنا هو برنامج مياه الصرف الصحي المعالجة (TSE)، الذي تديره بلدية دبي. أصبحت دبي فعالة بشكل لا يصدق في هذا المجال، حيث حققت معدل إعادة استخدام ملحوظًا بنسبة 90٪ لمياه الصرف الصحي المعالجة في عام 2023. وهم لا يتوقفون عند هذا الحد – فالهدف الطموح هو الوصول إلى نسبة استخدام 100٪ بحلول عام 2030. تستخدم محطات المعالجة الرئيسية مثل تلك الموجودة في ورسان وجبل علي والعوير عمليات متطورة لتنقية مياه الصرف الصحي إلى مستوى عالٍ. إذن، أين تذهب كل هذه المياه المعاد تدويرها؟ إنها ليست للشرب، لكنها تلعب دورًا حاسمًا في الحفاظ على دبي خضراء وعملية. الاستخدام الأكبر هو الري – ري حدائق المدينة والمساحات الخضراء والمناطق ذات المناظر الطبيعية من خلال شبكة واسعة يزيد طولها عن 2400 كيلومتر. كما أنها ضرورية لأنظمة تبريد المناطق، التي تساعد في الحفاظ على راحة المباني في الحرارة. تشمل الاستخدامات الأخرى العمليات الصناعية والحفاظ على مستويات المياه في البحيرات الاصطناعية. الفوائد هائلة: تقدر المدخرات السنوية بحوالي 2 مليار درهم إماراتي من خلال تقليل الاعتماد على المياه المحلاة، وتوفير كبير في الكهرباء، وخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وحماية المياه الجوفية الثمينة. حتى أن بعض محطات المعالجة تلتقط الغاز الحيوي أثناء العملية لتوليد الطاقة، مما يجعل النظام أكثر استدامة. كل قطرة مهمة: استراتيجيات الحفاظ على المياه
إنتاج وإعادة تدوير المياه ليس سوى جزء من المعادلة؛ إدارة الطلب لا تقل أهمية. تعمل دبي بنشاط على تعزيز الحفاظ على المياه من خلال استراتيجية إدارة جانب الطلب (DSM) 2030، والتي تهدف إلى خفض استهلاك المياه بنسبة 30٪ مقارنة بتوقعات سيناريو العمل كالمعتاد. وهي تنجح – ففي عام 2022 وحده، وفرت الاستراتيجية 16.1 مليار جالون إمبراطوري من المياه. كيف يتم تحقيق ذلك؟ إنه مزيج من جهود هيئة كهرباء ومياه دبي (ديوا) وبلدية دبي. تدير هيئة كهرباء ومياه دبي (ديوا) حملات توعية وتستفيد من التكنولوجيا من خلال مبادرة الحياة الذكية، التي تستخدم عدادات ذكية لتنبيه العملاء بشأن التسربات المحتملة أو الاستخدام المرتفع. كما تشجع مبادرة الفاتورة الخضراء على الفواتير غير الورقية. تركز بلدية دبي على تقنيات الري الفعالة للمساحات العامة وتعزز تنسيق الحدائق الموفر للمياه، المعروف باسم الزراعة الجافة (xeriscaping). تلعب الحوافز المالية دورًا أيضًا. تستخدم هيئة كهرباء ومياه دبي (ديوا) هيكل تعرفة متدرج – كلما زاد استخدامك للمياه، ارتفع سعر الوحدة، مما يشجع الناس على الانتباه لاستهلاكهم. تفرض لوائح البناء تركيبات موفرة للمياه مثل الصنابير والمراحيض منخفضة التدفق في الإنشاءات الجديدة. كما تحدث الحملات العامة فرقًا. من المحتمل أنك رأيت مبادرة "دبي تستطيع" (Dubai Can)، التي تم إطلاقها في عام 2022، والتي تروج لزجاجات المياه القابلة لإعادة الاستخدام وقامت بتركيب العديد من محطات إعادة تعبئة المياه المجانية في جميع أنحاء المدينة، مما وفر الملايين من زجاجات البلاستيك ذات الاستخدام الواحد. حتى مارس 2024، وزعت هذه النوافير ما يقرب من 9 ملايين لتر من المياه المجانية. كل مبادرة، كبيرة كانت أم صغيرة، تساهم في ثقافة الحفاظ على المياه. تأمين المستقبل: التخزين والاستراتيجية والابتكار
بالنظر إلى المستقبل، لا تركز دبي فقط على الإمداد اليومي؛ إنها تبني المرونة للمستقبل من خلال تخزين المياه الاستراتيجي والخطط الشاملة. يعد امتلاك احتياطيات مائية أمرًا بالغ الأهمية للتعامل مع حالات الطوارئ أو الاضطرابات غير المتوقعة. أحد المشاريع الرائدة هو تخزين المياه في الطبقات الجوفية واستعادتها (ASR). يتضمن ذلك تخزين مياه محلاة عالية الجودة – غالبًا ما يتم إنتاجها باستخدام فائض الطاقة الشمسية – تحت الأرض في طبقات المياه الجوفية الطبيعية. الهدف هو تخزين ما يصل إلى 6000 مليون جالون إمبراطوري، مما يخلق أكبر نظام ASR في العالم للمياه الصالحة للشرب، قادر على توفير أكثر من 50 مليون جالون إمبراطوري يوميًا (MIGD) لمدة 90 يومًا في حالات الطوارئ. إلى جانب نظام ASR، تواصل هيئة كهرباء ومياه دبي (ديوا) بناء خزانات سطحية تقليدية، مع إنشاء مرافق جديدة في مناطق مثل النخلي والليسيلي وحتا، مما يزيد بشكل مطرد من إجمالي سعة التخزين. تسترشد هذه الجهود باستراتيجيات شاملة مثل استراتيجية دبي المتكاملة لإدارة الموارد المائية 2030 واستراتيجية الإمارات للأمن المائي 2036 الأوسع نطاقًا، مما يضمن نهجًا منسقًا. يظل التركيز المستقبلي واضحًا: مواصلة التحول إلى الطاقة النظيفة لتحلية المياه (هدف 100٪ بحلول عام 2030)، وتعظيم إعادة استخدام المياه (هدف 100٪ بحلول عام 2030)، وتكثيف جهود الحفاظ على المياه (هدف استراتيجية إدارة جانب الطلب 30٪ بحلول عام 2030). تراقب دبي أيضًا الابتكار، وتستكشف البحث والتطوير المتقدم في مجال تحلية المياه وتحسين إدارة مياه الأمطار من خلال مشاريع مثل "تصريف" (Tasreef). يضمن هذا المزيج من التقنيات المثبتة والتخزين الاستراتيجي والتخطيط المستقبلي أن تظل دبي مدينة مزدهرة وآمنة مائيًا في قلب الصحراء.