دبي لا تبني ناطحات السحاب فحسب؛ بل تبني مستقبلاً شاملاً لكل من يعتبرها موطناً له. محور هذه الرؤية هو تمكين أصحاب الهمم (PoD)، وهو المصطلح الرسمي المستخدم في جميع أنحاء دولة الإمارات العربية المتحدة. هذا المصطلح يحوّل التركيز بشكل رائع من القيود إلى القدرات والمرونة، مما يعكس احتراماً عميقاً للأفراد ذوي الإعاقة. تلتزم كل من دبي ودولة الإمارات العربية المتحدة على نطاق أوسع باستراتيجية شاملة تضمن لأصحاب الهمم كل فرصة للنجاح والازدهار، لا سيما من خلال التوظيف المجدي وتنمية المهارات. يستكشف هذا الدليل المبادرات الرئيسية وبرامج التدريب وأنظمة الدعم التي تجعل دبي مدينة أكثر سهولة في الوصول إليها وغنية بالفرص لأصحاب الهمم، بناءً على الاستراتيجيات والأطر القانونية الحالية. الأساس: حقوق وسياسات توظيف أصحاب الهمم
التزام دبي بتوظيف أصحاب الهمم ليس مجرد كلام؛ بل هو راسخ بقوة القانون. القانون الاتحادي رقم 29 لسنة 2006 يمثل حجر الزاوية، حيث يضمن الحقوق الأساسية، بما في ذلك الحق في العمل، ويحظر التمييز على أساس الإعاقة بشكل صارم. وتعزيزاً لذلك على مستوى الإمارة، يعزز قانون دبي رقم 3 لسنة 2022 حماية حقوق أصحاب الهمم داخل دبي. ويضيف قرار مجلس الوزراء رقم 43 لسنة 2018 طبقة أخرى من الحماية، حيث يلزم أصحاب العمل بتوفير ظروف عمل مناسبة، وضمان عدم التمييز في التوظيف والاحتفاظ بالموظفين، وحماية أصحاب الهمم من إنهاء الخدمة بناءً على إعاقتهم فقط. الهدف النهائي؟ الاندماج الكامل في المجتمع والاقتصاد، وتمكين أصحاب الهمم من عيش حياة مستقلة وكريمة والمساهمة بمواهبهم الفريدة. مسارات التوظيف: المبادرات والبرامج الرئيسية
يعد دمج أصحاب الهمم في القوى العاملة أولوية قصوى لحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث يُنظر إليه كأمر حيوي لتمكين الأفراد وتقدم الوطن على حد سواء. تقود العديد من الهيئات الحكومية هذا التوجه. وزارة الموارد البشرية والتوطين (MoHRE) تصيغ سياسات العمل، وتشجع مشاركة القطاع الخاص في دمج أصحاب الهمم، ربما من خلال الحوافز، وتشرف على مراكز الخدمة لضمان سهولة الوصول إليها. في دبي، تلعب هيئة تنمية المجتمع (CDA) دوراً محورياً، حيث تصدر بطاقة \"سند\" الأساسية التي تمنح الوصول إلى الخدمات والامتيازات بموجب قانون دبي رقم 3. كما تدير هيئة تنمية المجتمع برامج مثل \"الكيت\" لتسهيل فرص العمل وتقدم مساعدات مالية لأمور مثل تعديلات مكان العمل أو التكنولوجيا المساعدة. وقد أنشأت الهيئة أيضاً لجنة للدعم والمناصرة، بالشراكة مع شركات كبرى مثل بنك الإمارات دبي الوطني وهيئة الطرق والمواصلات (RTA) لتعزيز بيئات عمل دامجة. مؤسسة زايد العليا لأصحاب الهمم (ZHO)، على الرغم من أن مقرها في أبوظبي، إلا أن لها تأثيراً كبيراً على مستوى دولة الإمارات، حيث تقدم دعماً شاملاً وتقيم شراكات أدت إلى توظيف 80 من أصحاب الهمم في عام 2024 وحده. كما تدير المؤسسة برامج تدريب مهني حيوية وتستضيف فعاليات مثل \"معرض التوظيف الشامل\". على المستوى الاتحادي، تقود وزارة تنمية المجتمع (MoCD) السياسة الوطنية لتمكين أصحاب الهمم، وتقدم منصة لتوظيفهم وتدير مراكز تأهيل تعد الأفراد للعمل أو ريادة الأعمال. حتى وزارة الداخلية (MoI) تساهم من خلال مراكزها للتأهيل والتشغيل. والأهم من ذلك، التعاون هو المفتاح، مع العديد من الشراكات بين القطاعين العام والخاص (PPPs) ومنصات التوظيف المخصصة مثل تلك التي تديرها الحكومة والمؤسسات الاجتماعية مثل \"إم إنكلوسيف\" (ImInclusive)، التي تربط الباحثين عن عمل بأصحاب العمل وتقدم التدريب. كما تركز منظمات مثل \"بيست باديز الإمارات\" (Best Buddies UAE) بشكل خاص على فرص التوظيف الدامج. بناء المهارات من أجل النجاح: التدريب والتطوير لأصحاب الهمم
امتلاك المهارات المناسبة أمر أساسي للغاية للاستعداد للوظيفة، وتقدم دبي العديد من السبل لأصحاب الهمم لتطويرها. تقدم مراكز التأهيل الحكومية والخاصة في جميع أنحاء الإمارة، مثل مركز دبي لتأهيل أصحاب الهمم ومركز دبي للتوحد، تدريباً مهنياً مصمماً لتلبية الاحتياجات المتنوعة، مع التركيز على المهارات العملية لمختلف الصناعات. مراكز مؤسسة زايد العليا (ZHO) هي أيضاً من كبار مزودي برامج التدريب المهني. يمتد الالتزام إلى التعليم، حيث يضمن القانون الاتحادي رقم 29 الوصول إلى المؤسسات المهنية. تعمل وزارة التربية والتعليم (MoE) بنشاط على تكييف المدارس وتوفير المواد والتكنولوجيا المتخصصة، بينما يضمن إطار سياسة دبي للتعليم الدامج الصادر عن هيئة المعرفة والتنمية البشرية (KHDA) جودة الدعم في المدارس. تتوفر برامج مهارات محددة، بما في ذلك التدريب الذي يركز على الإعاقات البصرية أو السمعية ولغة الإشارة. تقدم مؤسسة زايد العليا (ZHO) شهادة الاستعداد للعمل من المستوى الثاني خصيصاً للطلاب ذوي الإعاقات الذهنية أو التوحد، مما يدل على الالتزام بالدعم المخصص. هل تفكر في صناعات معينة؟ تدير كلية دبي للسياحة (DCT) برنامجاً رائعاً بعنوان \"التدريب على مهارات الضيافة للمبتدئين\" لأصحاب الهمم ذوي الاختلافات المعرفية البسيطة. يغطي هذا المساق العملي كل شيء بدءاً من خدمة الأطعمة والمشروبات (بما في ذلك مهارات الباريستا!) إلى الاحترافية الأساسية في مكان العمل، والتواصل، وحتى الثقافة المالية، مما يُعد الخريجين لأدوار حقيقية في قطاع الضيافة. ما بعد التوظيف: تعزيز ريادة الأعمال لأصحاب الهمم
الأمر لا يتعلق فقط بإيجاد وظيفة؛ بل يتعلق أيضاً بخلقها. هناك تركيز متزايد على دعم أصحاب الهمم الذين يطمحون لبدء مشاريعهم الخاصة. تقدم المبادرات الحكومية مثل \"ورش المشاغل\" تدريباً عملياً لإدارة الأعمال المنزلية. برنامج رائع آخر هو مبادرة \"الصنعة\" من وزارة تنمية المجتمع (MoCD)، والتي تدعم بشكل خاص الأسر الإماراتية المنتجة ورواد الأعمال من أصحاب الهمم. حتى أنهم عقدوا شراكة مع عملاق التجارة الإلكترونية \"نون\" لمساعدة رواد الأعمال هؤلاء على بيع منتجاتهم عبر الإنترنت، مما يفتح فرصاً سوقية هائلة. تلعب المؤسسات الاجتماعية أيضاً دوراً حيوياً. خذ \"إنيبل\" (Enable)، وهي جزء من مجموعة الصحراء (Desert Group)، على سبيل المثال. إنهم يوظفون أصحاب الهمم لإنشاء وبيع منتجات منزلية وحدائق جميلة. الأمر المميز حقاً هو أنهم يقدمون تدريباً شاملاً يغطي دورة العمل بأكملها – من تحديد مصادر المواد وصولاً إلى المبيعات وإصدار الفواتير – ويعيدون استثمار الإيرادات، مما يمكّن أعضاء فريقهم من تحقيق الاستقلال المستقبلي المحتمل. منصات مثل \"مشروع السعادة\" (Project Happiness)، الذي أسسه رائد أعمال مصاب بالشلل الدماغي، تقدم مساحة تجارة إلكترونية مخصصة للحرفيين من أصحاب الهمم لعرض وبيع مصنوعاتهم اليدوية، مما يعزز الاستقلال الاقتصادي ويحتفي بالإبداع. تهيئة بيئات دامجة: مبادرات تدريب الموظفين
جعل دبي سهلة الوصول حقاً يعني أكثر من مجرد منحدرات ومصاعد؛ فهو يتطلب \"سهولة الوصول السلوكية\" – ضمان أن يكون الموظفون في جميع القطاعات على دراية وحساسية واستعداد لمساعدة أصحاب الهمم بفعالية. تقود كلية دبي للسياحة (DCT)، وهي جزء من دائرة الاقتصاد والسياحة بدبي (DET)، هذه الجهود. منصتهم الإلكترونية \"أسلوب دبي\" (Dubai Way)، التي أُطلقت في عام 2017، دربت بالفعل أكثر من 70,000 موظف يتعامل مباشرة مع السياح على المعرفة الأساسية بدبي وتميز خدمة العملاء. وبناءً على ذلك، قدمت كلية دبي للسياحة \"برنامج تدريب الخدمة الشاملة\"، وهو وحدة تدريبية محددة عبر الإنترنت تستخدم مقاطع الفيديو وسيناريوهات من واقع الحياة لتعليم الموظفين كيفية تقديم خدمة متميزة لأصحاب الهمم، مع التركيز على التعاطف والمصطلحات الصحيحة وفهم الاحتياجات المختلفة. وفي الآونة الأخيرة، تعاونت كلية دبي للسياحة مع المجلس الدولي لاعتماد معايير التعليم المستمر (IBCCES) لإطلاق \"دورة التوعية بالتوحد والحساسية الحسية\"، حيث تم تدريب أكثر من 14,000 متخصص في مجال السياحة بحلول أبريل 2024. يدعم هذا هدف دبي في أن تصبح وجهة معتمدة للتوحد (Certified Autism Destination™). التدريب الخاص بالقطاعات منتشر أيضاً على نطاق واسع. مطار دبي الدولي (DXB)، أول مطار في العالم معتمد كمركز للتوحد (Certified Autism Center™)، قام بتدريب أكثر من 33,000 موظف على الإعاقات الخفية. يستفيد موظفو الضيافة من برامج كلية دبي للسياحة والدورات التدريبية المقدمة من مزودين خاصين مثل \"سيف فاست\" (SaveFast)، والتي تغطي آداب السلوك والتواصل وإجراءات الطوارئ. تقوم مجموعات التجزئة والترفيه الكبرى مثل \"دبي القابضة\" ومجموعة \"أباريل\" (تيم هورتنز) بتنفيذ برامج تدريب خاصة بها، بما في ذلك دعم لغة الإشارة للموظفين الصم. يتلقى موظفو الخدمة العامة التدريب أيضاً، حيث تقوم بعض الإدارات بتعيين \"مسؤولي خدمة\" مخصصين لمساعدة أصحاب الهمم. يغطي محتوى التدريب الرئيسي باستمرار فهم الإعاقات المختلفة، والتعاطف، واللغة المحترمة، ومهارات المساعدة العملية، والوعي القانوني. قياس التقدم والتطلع إلى المستقبل
إذاً، هل كل هذا الجهد يحدث فرقاً؟ المؤشرات إيجابية. تشير الأرقام إلى أن المبادرات ساعدت أكثر من 5,000 من أصحاب الهمم في الحصول على وظائف في جميع أنحاء دولة الإمارات، حيث قامت مؤسسة زايد العليا بتوظيف 80 فرداً في عام 2024، وخلقت \"إم إنكلوسيف\" 400 فرصة اقتصادية منذ عام 2022. ومع ذلك، من المهم أيضاً الاعتراف بالفجوات المحتملة. تشير بعض التقارير إلى انخفاض معدلات التطور الوظيفي أو ارتفاع نسب البطالة بين أصحاب الهمم مقارنة بعامة السكان، على الرغم من أن البيانات يمكن أن تختلف بشكل كبير اعتماداً على التعريفات وفترات إعداد التقارير. يظل التركيز المستمر وجمع البيانات الدقيقة أمراً بالغ الأهمية. رحلة دبي نحو الشمول الكامل مستمرة، وتتميز بأساس قانوني قوي، وبرامج حكومية مخصصة، وفرص متزايدة لتنمية المهارات، وتدريب حيوي للموظفين في مختلف القطاعات. الالتزام بتمكين أصحاب الهمم من خلال المشاركة الاقتصادية الهادفة واضح، مما يمهد الطريق لمستقبل تتاح فيه للجميع فرصة المساهمة والنجاح في هذه المدينة النابضة بالحياة.