تسابق دبي الزمن نحو مستقبل مستدام بشكل ملحوظ، مدفوعة بأهداف طموحة مثل استراتيجية دبي للطاقة النظيفة 2050 واستراتيجية دبي للحياد الكربوني 2050 . تهدف المدينة إلى توليد 100% من قدرتها الإنتاجية للطاقة من مصادر نظيفة بحلول عام 2050، لترسخ مكانتها كمركز عالمي للاستدامة والاقتصاد الأخضر . وبينما تلعب الطاقة الشمسية دورًا رئيسيًا، تدرك دبي الحاجة إلى حلول طاقة نظيفة متنوعة . وهنا يأتي دور الهيدروجين الأخضر، وهو وقود نظيف واعد يبرز كجزء أساسي من هذه الرؤية . وفي طليعة هذا التوجه، يبرز مشروع تجريبي رائد لهيئة كهرباء ومياه دبي (DEWA)، يستعرض إمكانيات هذه التكنولوجيا . دعنا نستكشف كيف تعمل مبادرة "الهيدروجين الأخضر في دبي" الرائدة هذه ولماذا هي مهمة جدًا لتحول الطاقة في الإمارة . لماذا الهيدروجين الأخضر لدبي؟
استراتيجية الطاقة في دبي لا تقتصر فقط على إضافة المزيد من الألواح الشمسية؛ بل تتعلق ببناء نظام بيئي للطاقة النظيفة مرن ومتنوع . وفي حين يُعد مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية الضخم حجر الزاوية، فإن الاعتماد الكلي على تكنولوجيا الطاقة الشمسية الكهروضوئية (PV) يطرح تحديات، مثل توفر الطاقة عندما لا تكون الشمس مشرقة . يقدم الهيدروجين الأخضر حلاً قويًا، حيث يعمل كوقود نظيف وطريقة فعالة لتخزين الطاقة المولدة من مصادر متجددة . إن إنتاج الهيدروجين باستخدام الكهرباء النظيفة يتماشى تمامًا مع استراتيجية دبي للطاقة النظيفة 2050 وأهداف الحياد الكربوني 2050، بهدف تحقيق هدف قدرة الطاقة النظيفة بنسبة 100% . هذه الخطوة الاستراتيجية تضع دبي والإمارات العربية المتحدة في موقع يؤهلهما ليصبحا لاعبين مهمين في السوق العالمية سريعة النمو لوقود الهيدروجين منخفض الكربون . بصراحة، إنها طريقة ذكية للاستفادة من الطاقة الشمسية الوفيرة لتحقيق إمكانات طاقة نظيفة على مدار الساعة . مشروع الهيدروجين الأخضر التجريبي التابع لهيئة كهرباء ومياه دبي (DEWA): نظرة عن كثب
إذن، أين يحدث هذا وكيف يعمل؟ يقع مشروع الهيدروجين الرائد التابع لهيئة كهرباء ومياه دبي (DEWA) في موقع استراتيجي بمجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية (MBR Solar Park)، وتحديدًا داخل أراضي مركز البحوث والتطوير التابع للهيئة . هذا ليس جهدًا فرديًا؛ فقد تعاونت هيئة كهرباء ومياه دبي مع شركاء رئيسيين هم إكسبو 2020 دبي وشركة سيمنز للطاقة (Siemens Energy) لتحقيق هذه الرؤية . ويُعد هذا المشروع الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA) المصمم لإنتاج وقود الهيدروجين باستخدام الطاقة الشمسية، مما يمثل علامة فارقة مهمة . وهنا يكمن الجزء الذكي: تستغل المنشأة الكهرباء الشمسية المولدة مباشرة في مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية خلال ساعات النهار . هذه الكهرباء النظيفة تشغل عملية تسمى التحليل الكهربائي بغشاء التبادل البروتوني (PEM electrolysis) . فكر في الأمر ببساطة على أنه استخدام الطاقة الشمسية لتقسيم الماء (H2O) إلى مكوناته: الهيدروجين (H2) والأكسجين (O2) . تم تصميم المحطة لإنتاج الهيدروجين بمعدل يقارب 20.5 كيلوجرامًا في الساعة عند التشغيل بأقصى طاقتها البالغة 1.25 ميجاوات كهربائي (MWe)، وفقًا لأحد المصادر، بينما يشير مصدر آخر إلى 20 كجم/ساعة . وهذا يترجم إلى قدرة إنتاج يومية محتملة تبلغ حوالي 400 كيلوجرام من الهيدروجين الأخضر . غاز الهيدروجين المنتج لا يختفي ببساطة؛ بل يتم تخزينه في الموقع في خزان مخصص . يمكن لنظام التخزين هذا أن يستوعب ما يعادل حوالي 12 ساعة من الإنتاج، أي ما يقرب من 240 كيلوجرامًا من الهيدروجين، جاهزة للاستخدام . هذا التكامل بين الطاقة الشمسية وتكنولوجيا التحليل الكهربائي بغشاء التبادل البروتوني (PEM electrolysis) في دبي والتخزين يجعل منشأة الهيدروجين في مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية مثالًا فريدًا في مشهد الهيدروجين بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا . استخدامات الهيدروجين الأخضر في دبي
إنتاج الهيدروجين الأخضر شيء، ولكن كيف تستخدمه دبي فعليًا؟ يوضح مشروع هيئة كهرباء ومياه دبي التجريبي العديد من التطبيقات الرئيسية، مما يُظهر مدى تنوع استخدامات الهيدروجين . أولاً، يمكن تحويل الهيدروجين المخزن مرة أخرى إلى طاقة كهربائية عند الحاجة، ليعمل بشكل أساسي كبطارية كبيرة . تشتمل المنشأة على وحدة توليد مشترك للحرارة والطاقة (CHP) بقدرة حوالي 300 كيلوواط يمكنها إجراء هذا التحويل . هذه القدرة تجعل الهيدروجين الأخضر حلاً قيّمًا لتخزين الطاقة، مما يساعد على موازنة الشبكة وتوفير الطاقة حتى عندما لا تكون الشمس مشرقة، مكملاً لمصادر الطاقة المتجددة المتقطعة مثل الطاقة الشمسية . إلى جانب توليد الطاقة، يدعم المشروع التنقل المستدام . وفي تعاون مهم، عقدت هيئة كهرباء ومياه دبي شراكة مع مجموعة اينوك (ENOC Group) لإطلاق أول محطة لتزويد الهيدروجين الأخضر بالوقود في المنطقة، وتقع في مدينة إكسبو دبي . تستخدم هذه المحطة الهيدروجين المنتج مباشرة في محطة هيئة كهرباء ومياه دبي التجريبية . ماذا تزود بالوقود؟ مركبات خلايا الوقود الكهربائية (FCEVs) . تستخدم هذه المركبات الهيدروجين لتوليد الكهرباء على متنها، ولا ينبعث منها سوى بخار الماء، مما يوفر بديلاً نظيفًا لوسائل النقل في الإمارات العربية المتحدة . الإمكانيات لا تتوقف عند هذا الحد؛ إذ يمكن أيضًا استخدام الهيدروجين المنتج في تطبيقات صناعية مختلفة، مما يوسع نطاق تأثيره بشكل أكبر . هذا الاستخدام العملي، بدءًا من تخزين الطاقة الذي تحتاجه دبي إلى نقل مركبات خلايا الوقود الكهربائية في دبي، يسلط الضوء على القيمة الحقيقية التي يتم استكشافها في محطة اينوك للهيدروجين وما بعدها . ريادة المستقبل: الأهمية والتطلعات
لماذا كل هذا التركيز على هذا المشروع التجريبي الوحيد؟ حسنًا، تمتد أهميته إلى ما هو أبعد بكثير من حجمه المادي . وتأكيدًا على مكانتها، تُعد هذه أول منشأة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بأكملها تولد الهيدروجين الأخضر باستخدام الطاقة الشمسية، مما يشكل سابقة . إنها بمثابة منصة اختبار حاسمة، مما يسمح لهيئة كهرباء ومياه دبي وشركائها باكتساب خبرة عملية لا تقدر بثمن في إنتاج الهيدروجين وتخزينه وتطبيقه في ظروف العالم الحقيقي . تُعد البيانات والرؤى التي تم جمعها أساسية لتطوير استراتيجية وخارطة طريق الهيدروجين المستقبلية الشاملة لدبي، مما يمهد الطريق لنشرها على نطاق أوسع . تتماشى هذه المبادرة تمامًا مع الطموحات الوطنية الأوسع لدولة الإمارات العربية المتحدة في مجال الطاقة النظيفة . لقد وضعت الدولة أهدافًا واضحة لتصبح منتجًا وموردًا عالميًا رئيسيًا للهيدروجين منخفض الكربون . تم تحديد أهداف طموحة: إنتاج 1.4 مليون طن من الهيدروجين سنويًا بحلول عام 2031، وزيادة الإنتاج بشكل كبير ليصل إلى 15 مليون طن سنويًا بحلول عام 2050 . وبالتالي، يُعد مشروع هيئة كهرباء ومياه دبي التجريبي خطوة أولى حاسمة، حيث يوفر المعرفة العملية ويثبت الجدوى التكنولوجية لدعم هذه الرؤية الوطنية لمستقبل الهيدروجين في الإمارات العربية المتحدة . إنه جزء أساسي في بناء اقتصاد الهيدروجين الأخضر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا . مشروع الهيدروجين الأخضر التجريبي التابع لهيئة كهرباء ومياه دبي هو أكثر من مجرد تجربة؛ إنه رمز ملموس لالتزام دبي بمستقبل طاقة مستدام . من خلال تسخير الطاقة الشمسية بنجاح لإنتاج وقود هيدروجين نظيف، وتخزينه، وإظهار استخدامه في توليد الطاقة والنقل، يوفر المشروع نقطة انطلاق حيوية . إنه يوضح كيف يمكن لتقنيات نظيفة مختلفة أن تعمل معًا ضمن نظام الطاقة المتطور في دبي . ومع استمرار دبي والإمارات العربية المتحدة في السعي لتحقيق أهدافهما الطموحة في مجال الطاقة النظيفة والوصول إلى صافي انبعاثات صفرية، فإن الدروس المستفادة من مشروع الهيدروجين التابع لهيئة كهرباء ومياه دبي ستشكل بلا شك المسار المستقبلي، مما يطلق العنان لإمكانات الهيدروجين الأخضر في دبي لتزويد غدٍ أنظف وأكثر استدامة بالطاقة .