دبي لا تبني ناطحات السحاب فحسب، بل تبني رؤية للشمولية. وفي صميم ذلك التزام عميق بتمكين الأفراد من ذوي الإعاقة، المعروفين رسميًا منذ عام 2017 باسم "أصحاب الهمم" . وهذا ليس مجرد تغيير في المسميات، بل يمثل تحولًا جوهريًا يركز على القدرات والمرونة بدلًا من القيود . إن تفاني الإمارة مدعوم بقوانين قوية واستراتيجيات طموحة، تهدف جميعها إلى ضمان تمتع أصحاب الهمم بحقوق وفرص متساوية، وقدرتهم على المشاركة الكاملة في الحياة النابضة للمدينة . دعنا نستكشف الأهداف الرئيسية والسياسات والفرق التي تحقق ذلك، والمبادرات الواقعية التي تشكل دبي سهلة الوصول للجميع. الإطار الاستراتيجي: المخططات الوطنية والمحلية
نهج دبي ليس وليد الصدفة، بل هو متجذر بقوة في التوجيهات الوطنية والخطط الرئيسية المحلية. حجر الزاوية هو السياسة الوطنية لتمكين أصحاب الهمم، التي أُطلقت في جميع أنحاء الإمارات العربية المتحدة عام 2017 . هدفها الأسمى؟ بناء مجتمع دامج وخالٍ من الحواجز يتمتع فيه أصحاب الهمم وأسرهم بجودة حياة عالية . ترتكز هذه السياسة على ست ركائز حيوية: الصحة والتأهيل، التعليم، التأهيل المهني والتوظيف، سهولة الوصول، الحماية الاجتماعية وتمكين الأسرة، والحياة العامة والثقافة والرياضة، لتشمل جميع جوانب الحياة . فكّر في رعاية صحية شاملة، تعليم دامج، فرص عمل عادلة، بيئات سهلة الوصول، حماية قانونية، ومشاركة اجتماعية كاملة . بناءً على هذا الأساس، أطلقت دبي استراتيجية دبي للإعاقة 2020 الخاصة بها حوالي عام 2014/2015، إلى جانب مبادرة "مجتمعي... مكان للجميع" . بقيادة سمو الشيخ منصور بن محمد بن راشد آل مكتوم، هدفت الاستراتيجية إلى جعل دبي مدينة صديقة لأصحاب الهمم بحلول عام 2020، مما يضمن الحقوق الكاملة والوصول إلى خدمات عالية الجودة . وعكست مجالات تركيزها السياسة الوطنية: التعليم، الرعاية الصحية، التوظيف، الحماية الاجتماعية، وسهولة الوصول الشاملة . على الرغم من انقضاء عام 2020، لا تزال هذه المبادئ هي القوة الدافعة، وقد أثبتت قيمتها التي لا تقدر بثمن خلال الجائحة من خلال ضمان حصول أصحاب الهمم على رعاية ذات أولوية . وفي الآونة الأخيرة، عزز قانون دبي رقم 3 لسنة 2022 بشأن حقوق أصحاب الهمم هذا الالتزام . يفرض هذا القانون خدمات شاملة – من التعليم والصحة إلى الوظائف وسهولة الوصول – والأهم من ذلك، يسعى إلى إشراك أصحاب الهمم مباشرة في صياغة السياسات التي تؤثر عليهم . وبالنظر إلى المستقبل، تدمج خطة دبي الحضرية 2040 (2021) سهولة الوصول في نسيج المدينة ذاته . بهدف أن تكون "أفضل مدينة للعيش في العالم"، فإنها تعطي الأولوية للمجتمعات الصحية التي تركز على الإنسان، وتفرض الالتزام بكود دبي للبيئة المؤهلة وتعزز مفاهيم مثل "مدينة الـ 20 دقيقة" لتعزيز سهولة الوصول للجميع، بمن فيهم أصحاب الهمم . اللاعبون الرئيسيون: الجهات الحكومية التي تقود الدمج
جعل دبي مدينة دامجة حقًا يتطلب جهدًا جماعيًا، وتنسيقًا متناغمًا بين مختلف الهيئات الحكومية. تقود هيئة تنمية المجتمع (CDA) زمام المبادرة في الخدمات الاجتماعية والحماية . فهي تصدر بطاقة "سند" الأساسية التي تتيح الوصول إلى الخدمات، وتدير برامج الدعم، وتشغل خطًا ساخنًا بالغ الأهمية (800988) للإبلاغ عن الإساءة أو الإهمال، وتشرف على المراكز غير الحكومية . اعتبرها بمثابة العمود الفقري للدعم الاجتماعي. عندما يتعلق الأمر بالتنقل، فإن هيئة الطرق والمواصلات (RTA) لها دور محوري . فهي تضمن توفير سيارات أجرة سهلة الوصول، وتوفر سفرًا مجانيًا عبر المترو والحافلات لحاملي بطاقات أصحاب الهمم، وتعفي من رسوم المرور (سالك)، وتدير مواقف مخصصة، وتتأكد من أن المحطات والبنية التحتية مثل جسور المشاة خالية من العوائق . عملهم يجعل التنقل في المدينة ممكنًا وميسور التكلفة للعديد من أصحاب الهمم . تتولى بلدية دبي (DM) مسؤولية الأماكن العامة – فكّر في الحدائق والشواطئ والمباني الحكومية . وهي تطبق كود دبي للبيئة المؤهلة، مما يضمن توفر المنحدرات ودورات المياه سهلة الوصول وميزات مثل منصات الوصول إلى الشاطئ وكراسي السباحة . كما أنها توفر دخولًا مجانيًا إلى العديد من مناطق الجذب السياحي لأصحاب الهمم ومرافقيهم . يقع الوصول إلى الرعاية الصحية ضمن مسؤولية هيئة الصحة بدبي (DHA) . فهي تقدم خدمات متخصصة، وتضمن تلبية المرافق لإرشادات سهولة الوصول، وتسهل العلاج في الخارج عند الحاجة، وتستفيد من خدمات الرعاية الصحية عن بُعد مثل خدمة "طبيب لكل مواطن" . ضمان تلبية الاحتياجات الصحية هو جزء حاسم من هذه المنظومة . حتى خدمات المرافق العامة هي جزء من الخطة، وذلك بفضل هيئة كهرباء ومياه دبي (DEWA) . تركز DEWA على المعلومات سهلة الوصول (موقع إلكتروني/تطبيق متوافق بدرجة عالية، أدوات لغة الإشارة بالذكاء الاصطناعي)، وتضمن أن مراكز خدمة المتعاملين التابعة لها تلبي معايير التصميم الشامل، وتدعم التوظيف الدامج ضمن قوتها العاملة . ومن بين اللاعبين الرئيسيين الآخرين شرطة دبي، ومختلف الوزارات (وزارة تنمية المجتمع، وزارة التربية والتعليم، وزارة الداخلية)، ومؤسسة زايد العليا لأصحاب الهمم (ZHO)، وكلية دبي للسياحة، حيث يساهم كل منهم بخبرته في مجالات مثل السلامة والتعليم والتأهيل والتدريب الفندقي . جعل الدمج ملموسًا: المبادرات والتأثير
إذًا، كيف تبدو كل هذه الاستراتيجيات والتنسيق على أرض الواقع؟ كيف يستفيد أصحاب الهمم فعليًا، سواء كانوا يعيشون هنا أو يزورون المدينة فقط؟ بصراحة، أصبح التأثير واضحًا بشكل متزايد في جميع أنحاء المدينة.
سهولة النقل والتنقل
أصبح التنقل في دبي أسهل بكثير. سيارات الأجرة سهلة الوصول التابعة لهيئة الطرق والمواصلات، المجهزة بمصاعد ويقودها سائقون مدربون، متوفرة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، وتقدم خدمة حيوية للمقيمين والسياح على حد سواء، خاصة أولئك الذين يستخدمون الكراسي المتحركة . بالنسبة لمستخدمي وسائل النقل العام، يوفر المترو والحافلات سفرًا مجانيًا لحاملي بطاقات أصحاب الهمم المقيمين، مما يوفر تكلفة كبيرة . بشكل أوسع، تفيد الميزات مثل المسارات اللمسية والمصاعد والوسائل السمعية والبصرية في المحطات والحافلات منخفضة الأرضية كل شخص يعاني من إعاقات حركية أو حسية، مما يجعل الشبكة أكثر سهولة في الاستخدام للزوار أيضًا . هل تقود سيارتك؟ مواقف السيارات المخصصة القريبة من المداخل مشهد مألوف، ويمكن لأصحاب الهمم المقيمين الحصول على إعفاء من رسوم طريق سالك لمركبة واحدة، مع تصاريح أصبحت الآن رقمية بشكل مريح . حتى الوصول والمغادرة أصبحا أكثر سلاسة، مع خدمات المطار في مطار دبي الدولي (DXB) ومطار آل مكتوم الدولي (DWC) التي تقدم ممرات ذات أولوية ومساعدة خاصة ودعمًا للإعاقات غير الظاهرة . سهولة الوصول إلى الأماكن العامة والبنية التحتية
يمتد التزام دبي ليشمل مبانيها ومناطقها الترفيهية. أصبح كود دبي للبيئة المؤهلة هو المعيار بشكل متزايد، مما يعني أن المزيد من المباني الحكومية (مثل مراكز هيئة كهرباء ومياه دبي الحائزة على جوائز) تتميز بمنحدرات وأبواب أوتوماتيكية ودورات مياه سهلة الوصول، مما يفيد جميع المستخدمين . هل ترغب في قضاء يوم على الشاطئ؟ شهدت سهولة الوصول إلى الشواطئ تحسينات كبيرة، بفضل بلدية دبي. فكّر في المنصات البحرية لسهولة الوصول إلى المياه (كما في شاطئ جميرا 2)، والممرات عبر الرمال، والكراسي المتحركة العائمة المجانية (جرّبها في الممزر!)، والمرافق سهلة الوصول، والمنقذين المدربين . تفتح هذه المبادرات ساحل دبي المذهل للمقيمين والسياح الذين قد يفوتهم ذلك لولاها . وبالمثل، توفر الحدائق دخولًا مجانيًا لأصحاب الهمم ومرافقيهم، ومسارات سهلة الوصول، ودورات مياه، وكراسي متحركة مجانية أو عربات جولف في الحدائق الكبيرة، وحتى مناطق لعب مكيّفة وأدلة بطريقة برايل . سهولة الوصول إلى الخدمات وأنظمة الدعم
الوصول ليس ماديًا فحسب؛ إنه يتعلق أيضًا بالمعلومات والدعم. تتحسن سهولة الوصول إلى المعلومات، حيث يسجل موقع وتطبيق هيئة كهرباء ومياه دبي أعلى العلامات لميزات مثل التوافق مع قارئات الشاشة والنص القابل للتعديل، بالإضافة إلى مترجم لغة الإشارة الرائع الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي . كما تقدم شرطة دبي ميزات سهولة الوصول إلى موقعها الإلكتروني . وفي حين أن هذا يفيد المقيمين بشكل أساسي في إدارة الحسابات أو البحث عن معلومات رسمية، فإنه يساعد السياح أيضًا في العثور على المعلومات بسهولة أكبر. يتم تسهيل الوصول إلى الرعاية الصحية للمقيمين من خلال بطاقة "سند" ويدعمه برامج الفحص المتخصصة ومبادرات الصحة النفسية والعيادات سهلة الوصول وخيارات الرعاية الصحية عن بُعد . بالنسبة للمقيمين، تهدف سياسات التعليم الدامج إلى دمج الطلاب من أصحاب الهمم، بينما تركز مبادرات التدريب المهني والتوظيف (مثل مبادرة "سند" الحكومية) على تعزيز فرص التوظيف . الحماية الاجتماعية مكرسة في القانون رقم 3 (2022)، ويوفر الخط الساخن لهيئة تنمية المجتمع (800988) شبكة أمان حاسمة ضد الإساءة أو الإهمال، مما يوفر حماية قد تمتد إلى ما هو أبعد من المقيمين . يعزز التدريب التوعوي للموظفين في مختلف القطاعات، من سائقي وسائل النقل إلى محترفي السياحة، بيئة أكثر ترحيبًا للجميع . أخيرًا، يوجد دعم مالي للمواطنين الإماراتيين المؤهلين، في حين أن الخصومات الواسعة أو الدخول المجاني إلى الحدائق ومناطق الجذب السياحي، بالإضافة إلى النقل العام المجاني لحاملي بطاقات أصحاب الهمم المقيمين، تخفف العبء المالي وتشجع على المشاركة في حياة المدينة لكل من المقيمين والسياح . الخطوات الأخيرة والتوجهات المستقبلية
دبي لا تركن إلى أمجادها؛ فالسعي نحو مزيد من الدمج مستمر. شهدت السنوات القليلة الماضية (تقريبًا من منتصف 2021 إلى منتصف 2024) تقدمًا كبيرًا. وفر إصدار قانون دبي رقم 3 لسنة 2022 أساسًا قانونيًا أقوى لحقوق أصحاب الهمم . تستمر البنية التحتية في التحسن: أكملت هيئة الطرق والمواصلات المرحلة الثالثة من مشروع تحديث مرافقها لتسهيل الوصول في مارس 2024، حيث قامت بتحديث العديد من المرافق . كما كانت بلدية دبي نشطة أيضًا، حيث عرضت ابتكارات مثل منصة الوصول إلى شاطئ جميرا (أكتوبر 2024) وأطلقت الخطة الرئيسية للشواطئ (تمت الموافقة عليها في مايو 2023) والتي تعطي الأولوية لسهولة الوصول في مشاريع تطوير السواحل الكبرى مثل مشروع جبل علي (تمت الموافقة عليه في يوليو 2024) . رقميًا، تواصل هيئة كهرباء ومياه دبي الريادة، حيث أبلغت عن أعلى درجات سهولة الوصول لتطبيقها وموقعها الإلكتروني (حسب تقارير 2024/2025) وأطلقت مترجم لغة الإشارة بالذكاء الاصطناعي (مايو 2024) . شهد تقديم الخدمات تحسينات مثل تصاريح المواقف الرقمية من هيئة الطرق والمواصلات (أغسطس 2023)، بينما تظل أنظمة الدعم مثل الخط الساخن لهيئة تنمية المجتمع نشطة . كما تواصل هيئة الصحة بدبي تسليط الضوء على برامج الصحة المتخصصة . هذا التفاني يحظى بالتقدير، حيث حصلت هيئة كهرباء ومياه دبي على جوائز لكونها صديقة لأصحاب الهمم وأبلغت عن رضا عالٍ بين موظفيها من أصحاب الهمم . كما كرمت هيئة تنمية المجتمع المنظمات غير الربحية الحيوية التي تدعم أصحاب الهمم . بالنظر إلى المستقبل، فإن الالتزام واضح: التحسين المستمر بما يتماشى مع خطة دبي الحضرية 2040، وتسخير التكنولوجيا، وتوسيع البرامج، وتشجيع مشاركة أكبر من القطاع الخاص لبناء مستقبل أكثر شمولاً . إن رحلة دبي نحو أن تكون مدينة للجميع تسير على قدم وساق، وتتميز بإجراءات ملموسة ورؤية واضحة لتمكين أصحاب الهمم.