دبي لا تبني ناطحات السحاب فحسب؛ بل تبني مستقبل التوصيل، الآن وهنا.
لدى الإمارة طموح واضح لقيادة العالم في مجال الخدمات اللوجستية المستقبلية ومبادرات المدن الذكية، مما يغير كيفية نقل البضائع داخل حدودها. وفي قلب هذا التحول، تبرز تقنيتان ستغيران قواعد اللعبة: الطائرات بدون طيار (الدرونز) والمركبات ذاتية القيادة (AVs). ويتوافق هذا التوجه تمامًا مع الرؤى الوطنية لتعزيز الرقمنة والكفاءة على جميع الأصعدة. دعنا نستكشف كيف انطلقت خدمة التوصيل بالدرونز رسميًا في دبي، وخارطة الطريق للمركبات ذاتية القيادة، والتقنيات الذكية التي تجعل كل هذا ممكنًا. تهيئة المسرح: رؤية دبي الاستراتيجية للخدمات اللوجستية المستقبلية
إذًا، ما سر هذا الاهتمام الكبير؟ إنه مزيج من المبادرات الحكومية ذات الرؤية المستقبلية وابتكارات القطاع الخاص النشطة التي تدفع دبي نحو مستقبل لوجستي أكثر ذكاءً. هناك استراتيجيتان رئيسيتان تحددان هذا التوجه. أولاً، "برنامج دبي لتمكين النقل بالطائرات بدون طيار"، الذي أُطلق في أواخر عام 2021، ويركز على بناء البنية التحتية الأساسية والقواعد اللازمة للاستخدام الواسع النطاق للدرونز. ثانيًا، "استراتيجية دبي للتنقل الذاتي" الطموحة التي تهدف إلى أن تكون 25% من جميع الرحلات في دبي بدون سائق بحلول عام 2030. الأهداف الشاملة واضحة: ترسيخ مكانة دبي كمركز لوجستي عالمي، وتعزيز الكفاءة التشغيلية، وتحسين الاستدامة، وتثبيت مكانتها كمدينة ذكية رائدة. ويعمل اللاعبون الرئيسيون مثل هيئة دبي للطيران المدني (DCAA)، وسلطة المناطق الاقتصادية المتكاملة بدبي (DIEZ)، ومؤسسة دبي للمستقبل (DFF)، وهيئة الطرق والمواصلات (RTA) معًا لتحويل هذه الرؤية إلى واقع. التحليق في الأجواء: خدمة التوصيل بالدرونز أصبحت واقعًا
دبي لا تتحدث فقط عن التوصيل بالدرونز؛ بل تطبقه فعليًا، وتتبنى هذه التقنية بسرعة مذهلة. بدأت الرحلة بتجارب واختبارات دقيقة، خاصة داخل واحة دبي للسيليكون (DSO)، التي تم تحديدها كمنطقة خاصة لاختبار هذه المفاهيم المستقبلية. وشهد أواخر عام 2023 تقدمًا كبيرًا عندما أجرت شركة الخدمات اللوجستية "Jeebly" وشركة تكنولوجيا الدرونز "Skye Air Mobility" تجارب على مدى ثلاثة أسابيع لعمليات الطيران خارج مدى الرؤية البصرية (BVLOS)، حيث نجحتا في نقل سلع استهلاكية داخل واحة دبي للسيليكون. ولم تكن هذه الدرونز عادية؛ بل تميزت بأنظمة ملاحة متقدمة، وأنظمة لتجنب الاصطدام، وحتى مظلات أمان. ثم جاءت اللحظة الكبرى. في ديسمبر 2024، أطلقت دبي رسميًا أول نظام توصيل بالدرونز في الشرق الأوسط، وكان مقره أيضًا في واحة دبي للسيليكون (DSO). وكان هذا المشروع التاريخي نتاج تعاون بين هيئة دبي للطيران المدني (DCAA)، وسلطة المناطق الاقتصادية المتكاملة بدبي (DIEZ)، ومؤسسة دبي للمستقبل (DFF). أول شركة حصلت على ترخيص تشغيلي كانت "Keeta Drone"، وهي شركة تابعة لعملاق التكنولوجيا الصيني "Meituan". بدأت "Keeta Drone" مرحلة تجريبية باستخدام ست طائرات درونز تعمل على أربعة مسارات مختلفة، لتوصيل مواد يومية مثل الطعام والأدوية، مستفيدة من خبرتها الواسعة في إكمال مئات الآلاف من عمليات التوصيل في الصين. التكنولوجيا نفسها مثيرة للإعجاب، حيث تستخدم خوارزميات متطورة، ومراوح منخفضة الضوضاء مصممة خصيصًا، وتحديد المواقع متعدد المستشعرات لضمان التشغيل الآمن والهادئ داخل المشهد الحضري. ولكن هذه مجرد البداية. الطموح كبير جدًا: تخطط دبي لتغطية خدمات التوصيل بالدرونز لـ 33% من مساحة المدينة بحلول عام 2030. ويعد هذا الهدف جزءًا أساسيًا من "رؤية دبي للتنقل الذكي 2030" الأوسع نطاقًا. ولا يقتصر الأمر على توصيل الميل الأخير فقط. فمجموعة بريد الإمارات (المعروفة الآن باسم 7X) تستكشف إمكانات طائرات الدرونز الأكبر حجمًا المخصصة للشحن من خلال ذراعها للتوصيل 7X. وقد وقعت المجموعة خطاب نوايا (LOI) مع شركة "Dronamics" في أكتوبر 2023 لتجربة خدمات الشحن بالدرونز لتوصيل الميل المتوسط في نفس اليوم وحتى التوصيل بعيد المدى، بهدف بناء شبكة عبر الإمارات العربية المتحدة وربما دول مجلس التعاون الخليجي. وكان من المقرر إجراء رحلات إثبات المفهوم لهذا المشروع المثير في عام 2024. على الأرض: المركبات ذاتية القيادة تمهد الطريق لنقل البضائع
بينما تغزو الدرونز السماء، تمثل المركبات ذاتية القيادة (AVs) الحدود الرئيسية التالية للخدمات اللوجستية الأرضية في دبي. ويرتبط هذا بشكل مباشر بـ "استراتيجية دبي للتنقل الذاتي"، التي تهدف إلى أن تكون 25% من الرحلات بدون سائق بحلول عام 2030. وعلى الرغم من أن الكثير من الاهتمام الحالي يدور حول سيارات الأجرة ذاتية القيادة، إلا أن التكنولوجيا الأساسية مهيأة لإعادة تشكيل طريقة توصيل البضائع بالكامل. تخيل شاحنات ذاتية القيادة وروبوتات توصيل أصغر تتنقل بسرعة في أنحاء المدينة – تشمل الفوائد المحتملة خدمة أسرع، وكفاءة أكبر، وتوفيرًا كبيرًا في تكاليف العمالة والنقل، وتقليل انبعاثات الكربون، وتعزيز السلامة على الطرق. دبي تضع بالفعل الأساس لذلك. في أبريل 2021، عقدت هيئة الطرق والمواصلات (RTA) شراكة مع شركة "Cruise" (المدعومة من GM) لتشغيل سيارات أجرة ذاتية القيادة، بهدف تشغيل أسطول يضم 4000 مركبة ذاتية القيادة بحلول عام 2030؛ حتى أن "Cruise" بدأت في رسم خرائط لشوارع دبي في عام 2023. وفي الآونة الأخيرة، في أبريل 2025، تعاونت هيئة الطرق والمواصلات مع شركة التكنولوجيا الصينية "Baidu" لتقديم خدمة "Apollo Go" لطلب سيارات الأجرة ذاتية القيادة، بدءًا بـ 50 مركبة اختبارية واستهداف 1000 سيارة أجرة ذاتية القيادة بحلول عام 2028. كما عقدت "Uber" شراكة مع "WeRide" في المدينة. وبينما تركز هذه المبادرات على نقل الأشخاص، فإن التطورات التكنولوجية والموافقات التنظيمية التي تحققها تعد خطوات حاسمة لتمكين توصيل البضائع ذاتيًا في المستقبل القريب. كما يدعم برنامج الدرونز الحكومي بشكل عام تطوير الروبوتات والأنظمة ذاتية التشغيل. ولا تنسَ اللاعبين الأصغر حجمًا أيضًا – فروبوتات التوصيل ذاتية القيادة المصممة للتنقل على الأرصفة وممرات الدراجات هي أيضًا جزء من الرؤية، وتعد بتخفيف الازدحام المروري وتسريع عمليات توصيل الطرود الصغيرة. العمود الفقري التقني: تشغيل الخدمات اللوجستية الذكية والمستدامة
من المهم أن نفهم أن الدرونز والمركبات ذاتية القيادة لا تعمل بمعزل عن غيرها. فهي تعتمد على نظام بيئي متطور من التقنيات الذكية التي تشكل العمود الفقري لشبكة الخدمات اللوجستية المستقبلية في دبي. أصبح الذكاء الاصطناعي (AI) وتحليلات البيانات الضخمة أدوات لا غنى عنها، تُستخدم في كل شيء بدءًا من التنبؤ بالطلب وتحسين سلاسل التوريد وصولاً إلى اتخاذ قرارات تشغيلية أكثر ذكاءً. ويمكنك رؤية هذا الالتزام على أرض الواقع من خلال التعاونات مثل تلك التي تمت بين مجموعة بريد الإمارات (7X) وجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي (MBZUAI)، والتي أسفرت حتى عن طوابع بريدية تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي. ويلعب إنترنت الأشياء (IoT) دورًا حيويًا أيضًا، مما يتيح تتبع ومراقبة البضائع في الوقت الفعلي طوال رحلتها. وبالاقتران مع تقنيات الموانئ الذكية والأنظمة الآلية التي يتم تنفيذها عبر سلسلة الخدمات اللوجستية، يساعد إنترنت الأشياء في تسريع العمليات وخفض التكاليف. ويتم تعزيز كل هذا من خلال البنية التحتية الأوسع للمدينة الذكية في دبي، مما يخلق بيئة مترابطة للغاية. علاوة على ذلك، يتم استكشاف تقنيات مثل البلوكتشين لتعزيز الشفافية والأمن، لا سيما في مجالات مثل التخليص الجمركي من خلال مبادرات مثل مشروع "طريق الحرير الرقمي" في دبي. كما تعد الاستدامة محور تركيز رئيسي، وهي منسوجة في نسيج هذه التطورات. ويتم ضخ استثمارات كبيرة في أساطيل المركبات الكهربائية (EV) – ويتجلى ذلك في مذكرة تفاهم بين مجموعة بريد الإمارات وشركة "BrightDrop" (إحدى شركات GM) في عام 2021 لاستكشاف نظام بيئي للتوصيل المكهرب. ويتوافق هذا التركيز على الممارسات الصديقة للبيئة، بما في ذلك اعتماد الطاقة الشمسية، بشكل مباشر مع أهداف استراتيجية "الحياد المناخي بحلول 2050" الطموحة لدولة الإمارات العربية المتحدة. إن التزام دبي بريادة حلول التوصيل المستقبلية لا يمكن إنكاره. فخدمة التوصيل بالدرونز، بقيادة مشغلين مثل "Keeta Drone"، تعمل بالفعل، مما يمثل علامة فارقة. والعمل الأساسي لنشر المركبات ذاتية القيادة، المدعوم بشراكات كبرى وأهداف استراتيجية، يتقدم بسرعة. وكل هذا الابتكار مدعوم ببنية تحتية رقمية متطورة بشكل متزايد تستفيد من الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، مع تركيز قوي على الاستدامة. والتأثير المتوقع سيكون تحويليًا: أتمتة أكبر، وكفاءة مدفوعة بالبيانات، وخيارات توصيل أسرع وأكثر مرونة تصل إلى السماء وعبر الأرض بشكل ذاتي، كل ذلك مع السعي لعمليات أكثر مراعاة للبيئة. بالنسبة للسكان والشركات في دبي، مستقبل التوصيل ليس مجرد قادم – بل لقد وصل بالفعل.