عندما نفكر في الزراعة في الصحراء، غالبًا ما تتبادر إلى أذهاننا صور الأراضي القاحلة والاحتمالات المستحيلة. فدولة الإمارات العربية المتحدة، بمناخها الجاف وندرة أمطارها وارتفاع درجات حرارتها، تمثل بالتأكيد تحديًا للزراعة. ومع ذلك، وبشكل مفاجئ، نجحت الإمارات في تطوير قطاع زراعي مزدهر، مدفوعًا بالابتكار والتركيز القوي على الأمن الغذائي. إذن، ما الذي ينجح بالضبط في النمو في مزارع دبي الصحراوية وفي جميع أنحاء الإمارات؟ دعنا نستكشف التنوع المذهل للمحاصيل الحقلية والخضروات والفواكه وحتى نباتات الزينة التي تزدهر رغم كل الصعاب. المحاصيل الحقلية: تغذية الثروة الحيوانية واستكشاف المواد الغذائية الأساسية
تنقسم المحاصيل الحقلية في الإمارات العربية المتحدة بشكل رئيسي إلى فئتين: الحبوب والأعلاف. وفي حين أن زراعة الحبوب الأساسية مثل القمح والشعير ضرورية، إلا أنها تواجه عقبات كبيرة بسبب المناخ والموارد المحدودة، مما يعني أن الدولة تعتمد بشكل كبير على الواردات. أما محاصيل الأعلاف، فهي حيوية للغاية لدعم قطاع الثروة الحيوانية المحلي. تعتبر زراعة القمح محدودة للغاية، على الرغم من أنه تاريخيًا، كانت السلالات المحلية التقليدية تُزرع في مناطق مثل رأس الخيمة للأغذية المحلية وأحيانًا كعلف. تحمل هذه الأصناف القوية صفات وراثية قيمة لمقاومة الإجهاد. وفي الآونة الأخيرة، تهدف المشاريع الاستراتيجية مثل مزرعة مليحة للقمح في الشارقة إلى تعزيز الإنتاج المحلي، بدءًا من 400 هكتار مع التخطيط للتوسع. ومع ذلك، استوردت الإمارات 1.7 مليون طن متري من القمح في عام 2022، مما يسلط الضوء على الحاجة المستمرة للواردات التي تتم معالجتها عبر منشآت مثل مطاحن الاتحاد في الفجيرة. بلغ إجمالي إنتاج الحبوب في الإمارات ما يزيد قليلاً عن 23,100 طن متري في عام 2023، وهو جزء ضئيل جدًا مقارنة بالواردات. كما أن إنتاج الشعير ضئيل بالمثل كحبوب، مع بعض الزراعات الصغيرة للسلالات المحلية. ويتم استيراده بشكل أساسي كعلف للحيوانات، مع كبار الموردين بما في ذلك أستراليا والأرجنتين، على الرغم من أن علف الشعير المنتج بالزراعة المائية يكتسب زخمًا كبديل محلي موفر للمياه. تعتبر محاصيل الأعلاف ضرورية لتغذية الإبل والأغنام والماعز والأبقار. ويعد حشيش الرودس (Rhodes Grass) لاعبًا رئيسيًا، فهو متكيف نسبيًا مع الدفء والملوحة المعتدلة، على الرغم من أنه يحتاج إلى الري. ويتم استيراده على نطاق واسع من أماكن مثل السودان وباكستان، كما يُزرع أيضًا بالزراعة المائية. أما البرسيم الحجازي، المعروف محليًا باسم 'الجت'، فيحظى بتقدير كبير لقيمته الغذائية العالية ويستخدم على نطاق واسع لأبقار الألبان والماشية الأخرى. ومثل حشيش الرودس، يتم استيراد الكثير منه (من الولايات المتحدة الأمريكية والسودان ومصر) ولكنه مناسب أيضًا للزراعة المائية المحلية. وتكمل الأعلاف المستوردة الأخرى مثل تبن تيموثي (Timothy Hay) الإمدادات، بينما تستكشف مراكز الأبحاث مثل المركز الدولي للزراعة الملحية (ICBA) أنواع الأعلاف المقاومة للملوحة لتناسب البيئة المحلية بشكل أفضل. أبطال البستنة: صعود الخضروات الطازجة
عالم الخضروات هو المجال الذي تتألق فيه الزراعة الإماراتية حقًا، مدفوعة بأهداف الأمن الغذائي وطلب المستهلكين والتبني المذهل للتكنولوجيا. فالزراعة المائية والمزارع العمودية والبيوت المحمية المكيفة تتحكم في المشهد، مما يسمح لمجموعة متنوعة ومدهشة من المنتجات الطازجة بالازدهار. ويعد هذا القطاع حجر الزاوية في سعي الدولة نحو تحقيق قدر أكبر من الاكتفاء الذاتي. تعتبر الطماطم محصولًا نجمًا، حيث تُزرع على نطاق واسع في البيوت المحمية وأنظمة الزراعة المائية، وأحيانًا على مدار العام بفضل التحكم في المناخ، كما هو الحال في مزارع Pure Harvest Smart Farms. وهي تتحمل الملوحة بشكل معتدل وتمثل محور تركيز رئيسي للمبادرات الحكومية التي تروج للمنتجات المحلية. ستجد بسهولة الطماطم الطازجة المزروعة محليًا في محلات السوبر ماركت. ويعد الخيار قصة نجاح رئيسية أخرى، حيث يُزرع بكثافة باستخدام الزراعة المحمية والزراعة المائية. ويلبي الإنتاج المحلي جزءًا كبيرًا من الطلب، مع إظهار الأبحاث لإمكانات إنتاجية عالية حتى مع المياه المالحة. ومثل الطماطم، يتوفر الخيار بسهولة كخيارات محلية. كما يُزرع الفلفل، بما في ذلك الفلفل الحلو (الرومي)، بشكل شائع في ظل ظروف خاضعة للرقابة، ويتحمل الملوحة المعتدلة ويضيف لونًا إلى سلة الخضروات المحلية. يزدهر الخس في المزارع المائية والعمودية، مثل تلك التي تديرها مزارع Armela Farms ومنشأة Bustanica الضخمة في دبي. توفر هذه الأنظمة درجات الحرارة الباردة التي يفضلها الخس وتستخدم المياه بكفاءة. وإلى جانب الخس، تحظى الخضروات الورقية الأخرى مثل السبانخ (وهي مقاومة للملوحة) واللفت (الكيل) والجرجير بشعبية كبيرة، خاصة في البيئات الخاضعة للرقابة أو خلال أشهر الشتاء الباردة. كما تُزرع الأعشاب مثل الكزبرة والبقدونس والنعناع على نطاق واسع، غالبًا بواسطة مزارع مائية متخصصة مثل مزارع بادية (Badia Farms). وتعتبر هذه الخضروات الورقية أساسية لمبادرات التوريد المحلية. كما تزرع الإمارات أصنافًا متخصصة وموسمية، بما في ذلك الخضروات الجذرية مثل الجزر والفجل، بالإضافة إلى القرع والكوسا والباذنجان والبصل والثوم، وهي مناسبة بشكل خاص للزراعة الشتوية أو الخاضعة للرقابة. وتستمر الأبحاث في الخيارات المقاومة للملوحة مثل أصناف معينة من اللوبيا والبنجر. ويعد إجمالي إنتاج الخضروات كبيرًا، حيث يقدر بحوالي 156,000 طن أو ربما أكثر من 345,000 طن سنويًا، مما يلبي أكثر من 20٪ من الطلب الوطني، مع أهداف طموحة لزيادة هذا الرقم بشكل أكبر. النجاح الحلو: فواكه الصحراء
عندما يتعلق الأمر بالفواكه، فإن التمر هو الملك بلا منازع في الإمارات العربية المتحدة، وهو متجذر بعمق في الثقافة والمشهد الزراعي. ومع ذلك، تتزايد الجهود لتنويع سلة الفاكهة، والاستفادة من التكنولوجيا لزراعة الحمضيات والمانجو وحتى التوت. نخلة التمر أيقونية حقًا. يمثل التمر أكبر محصول فاكهة من حيث الحجم، حيث تجاوز الإنتاج 405,000 طن متري في عام 2023. ويؤكد الدعم الحكومي والأبحاث المستمرة، مثل دراسة المركز الدولي للزراعة الملحية (ICBA) طويلة الأمد حول قدرة نخيل التمر على تحمل الملوحة، على أهميتها. ويعتبر التمر أولوية للأمن الغذائي ومتوفر على نطاق واسع في كل مكان. كما تُزرع فواكه الحمضيات مثل البرتقال والليمون واللايم، وإن كان على نطاق أصغر. تاريخيًا، تم استيراد النباتات من دول مثل باكستان، وتعد إدارة الحرارة والمياه أمرًا بالغ الأهمية لنجاحها هنا. وتُزرع أشجار المانجو أيضًا، حيث تم جلب النباتات تاريخيًا من الهند وباكستان. وقد تطلبت تحديات مثل مرض موت أطراف المانجو (mango dieback disease) البحث والإدارة، مما يدل على وجودها الراسخ، حتى لو كانت الزراعة التجارية واسعة النطاق صعبة. تحدث تطورات مثيرة مع الفواكه الناشئة، غالبًا بفضل التكنولوجيا. فالفراولة، على سبيل المثال، تُزرع بالزراعة المائية في بيئات خاضعة للرقابة، مثل مشروع Agricool في دبي. وهناك طلب متزايد على التوت بين المستهلكين المهتمين بالصحة. وعلى الرغم من أنها ليست تقليدية، فإن البيوت المحمية المتقدمة والزراعة المائية تفتح الأبواب أمام الفواكه التي لا يمكنها عادةً البقاء في مناخ الصحراء. كما تستكشف المؤسسات البحثية أنواع الفاكهة غير المستغلة والمقاومة للإجهاد. تاريخيًا، كانت فواكه مثل الجوافة والشيكو (السابوديلا) تُزرع أو تُستورد أيضًا. وتختلف أرقام إنتاج الفاكهة الإجمالية، حيث يُشار أحيانًا إلى أكثر من 200,000 طن أو أكثر من 424,000 طن (بما في ذلك التمور على الأرجح)، مع احتلال أشجار الفاكهة لجزء كبير من الأراضي المزروعة تاريخيًا. ويمكن للمستهلكين العثور على مجموعة متنوعة متزايدة من الفواكه المحلية إلى جانب الواردات، مع تفضيل متزايد للخيارات الطازجة والموسمية مثل التمر والتين والبطيخ المتوفرة في محلات السوبر ماركت وأسواق المزارعين. ما وراء الغذاء: تخضير المشهد الحضري
الزراعة في الإمارات العربية المتحدة لا تتعلق فقط بما ينتهي به المطاف في أطباقنا؛ بل تتعلق أيضًا بتشكيل البيئة التي نعيش فيها. يعد قطاع المشاتل ونباتات الزينة حيويًا، خاصة في دبي، حيث يساهم بشكل كبير في الجمالية الخضراء للمدينة وجودة الحياة وحتى جاذبيتها للسياح. توفر هذه الصناعة الأشجار والشجيرات والزهور الضرورية لتنسيق كل شيء بدءًا من الحدائق العامة وجوانب الطرق إلى المجمعات السكنية والعقارات التجارية. تلتزم بلدية دبي التزامًا عميقًا بتوسيع المساحات الخضراء، وتقوم ببرامج زراعة طموحة. انظر فقط إلى الأرقام: في عام 2024 وحده، تمت زراعة أكثر من 216,500 شجرة جديدة، مما أدى إلى توسيع المساحات الخضراء بما يقرب من 4 ملايين متر مربع. ويتضمن هذا الجهد المستمر تنسيقًا واسع النطاق للمناظر الطبيعية على طول الطرق الرئيسية مثل شارع الشيخ زايد، وحول التقاطعات، وفي الحدائق، وفي جميع أنحاء المناطق السكنية. وتعتمد هذه التحولات الخضراء بشكل كبير على النباتات التي يتم الحصول عليها من المشاتل المحلية الكبيرة مثل واحة الصحراء (Wahat Al Sahraa) و موارد براري الطبيعية (Barari Natural Resources). هذا التفاني في التخضير يعزز بشكل مباشر المظهر البصري لدبي، مما يجعلها مكانًا أكثر متعة للجميع. فالشوارع المصطفة بالأشجار والحدائق الغناء والمناظر الطبيعية الجذابة تعزز صورة المدينة كوجهة حديثة وصالحة للعيش، مما يدعم السياحة بلا شك من خلال تحسين تجربة الزائر. ويؤدي استخدام مزيج من النباتات المحلية المقاومة للجفاف ونباتات الزينة المتنوعة إلى إنشاء مناظر طبيعية حضرية فريدة. وتركز الشركات المعنية على إنشاء مساحات خارجية ملهمة تتماشى مع رؤية تعزيز البيئة المحيطة وتحسين جودة الهواء وزيادة التنوع البيولوجي. من الواضح أنه بدءًا من الأغذية الأساسية ووصولاً إلى المناظر الطبيعية الخلابة للمدينة، تلعب الزراعة دورًا متنوعًا وحاسمًا بشكل مدهش في الإمارات العربية المتحدة.