أفق دبي ليس وحده ما يتحول بسرعة البرق؛ فدور المرأة في الإمارة ودولة الإمارات العربية المتحدة عمومًا يشهد تطورًا ملحوظًا . انسَ تلك الصور النمطية البالية التي ربما سمعت بها. اليوم، تشكل النساء ركائز أساسية في تقدم الأمة، حيث يجمعن بين احترام التقاليد وسعي قوي نحو الحداثة، بدعم فعال من المبادرات الحكومية . هذا ليس مجرد كلام؛ بل هو مدعوم بإنجازات كبيرة في التعليم والوظائف والقيادة . دعنا نستكشف واقع تمكين المرأة في دبي، متجاوزين العناوين الرئيسية إلى الحقائق والأرقام التي تشكل مستقبلهن . الأساس: التعليم يُمكّن المرأة الإماراتية
الريادة في التعلم: التعليم كأولوية وطنية
التعليم ليس مجرد فرصة بل هو حق دستوري للمرأة في الإمارات، ويُعامل بنفس الأهمية التي يُعامل بها الرجل . وقد أثمر هذا الالتزام نتائج مبهرة، واضعًا أساسًا قويًا لتقدم المرأة . تحوم معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة بين النساء حول نسبة مذهلة تبلغ 95.8%، تكاد تضاهي نسبة الرجال . لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد. تهيمن المرأة الإماراتية على التعليم العالي، حيث تلتحق حوالي 77% منهن بالجامعات بعد المرحلة الثانوية ويشكلن نسبة مذهلة تبلغ 70% من إجمالي خريجي الجامعات في الدولة . هل تظن أن النساء يتجنبن المجالات الصعبة؟ فكر مرة أخرى. نسبة كبيرة من خريجات مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) من الجامعات الحكومية الإماراتية – حوالي 56% وفقًا لبعض التقارير – هن من النساء . وفي حين أن الأرقام المحددة قد تختلف قليلاً حسب المصدر ، فإن الاتجاه لا يمكن إنكاره: فالنساء يسعين بشكل متزايد ويتفوقن في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات . حتى أن الإمارات افتتحت أول كلية عسكرية للنساء في المنطقة، وهي كلية خولة بنت الأزور العسكرية، في عام 2014، محطمة بذلك المزيد من القوالب التقليدية . هذا التمكين التعليمي هو محرك رئيسي يغير التوقعات المجتمعية ويفتح الأبواب . كسر الحواجز: المرأة تشكل القوى العاملة في الإمارات
من الخريجات إلى المحترفات: دخول الساحة الاقتصادية
مسلحات بالشهادات الجامعية، تترك المرأة الإماراتية بصمتها بشكل متزايد في سوق العمل الإماراتي، على الرغم من أن الإحصاءات ترسم صورة معقدة . تختلف البيانات حول معدلات مشاركة الإناث بشكل عام، حيث تتراوح الأرقام بشكل كبير حسب السنة والمصدر – إذ تظهر بعضها معدلات تناهز 28%، وأخرى تصل إلى 58%، وتشير بيانات البنك الدولي إلى 53.5% لعام 2023 . قد تعكس هذه الاختلافات الفروق بين مشاركة المواطنات والوافدات، أو ببساطة تحديات جمع بيانات دقيقة في اقتصاد ديناميكي . لكن الواضح هو الاتجاه التصاعدي والحضور النسائي الكبير، خاصة في قطاعات معينة . يعتمد القطاع العام، على وجه الخصوص، بشكل كبير على المواهب النسائية، حيث تشغل النساء ما يقرب من 66% من الوظائف الحكومية . وتهيمن النساء بشكل خاص على مجالات حيوية مثل الصحة والتعليم، حيث يشغلن 75% من المناصب في هذه القطاعات . لكن القطاع الخاص يشهد أيضًا نموًا، إلى جانب ارتفاع في ريادة الأعمال النسائية؛ إذ تفيد التقارير بأن سيدات الأعمال الإماراتيات يدرن أكثر من 23,000 مشروع ويشغلن 15% من مقاعد مجالس الإدارة في غرف التجارة . ويدعم هذا التقدم أطر قانونية قوية، بما في ذلك قوانين تضمن المساواة في الأجور عن العمل المتساوي في القطاعين العام والخاص، وحماية ضد التمييز في مكان العمل، وتعزيز استحقاقات إجازة الأمومة . الصعود إلى القمة: المرأة الإماراتية في القيادة
شغل المقاعد على الطاولة: التأثير وصنع القرار
لا تقتصر مشاركة المرأة الإماراتية على دخول سوق العمل فحسب؛ بل إنها تتولى بشكل متزايد أدوارًا قيادية في مختلف القطاعات . ففي القطاع العام، تشغل النساء حوالي 30% من المناصب القيادية . ويضم مجلس الوزراء الإماراتي تمثيلاً نسائيًا كبيرًا، حيث تشغل 9 وزيرات (حوالي 27.3% من الإجمالي) وفقًا للتقارير الأخيرة – وهي من أعلى المعدلات إقليميًا . هل تتذكر معالي شما المزروعي؟ لقد أصبحت أصغر وزيرة في العالم عند تعيينها عام 2016 . ولعل أحد أبرز الإنجازات يكمن في السياسة. فبعد توجيه تاريخي، تشغل النساء الآن 50% كاملة من مقاعد المجلس الوطني الاتحادي (FNC)، وهو الهيئة البرلمانية الاستشارية في الإمارات . وقد دفعت هذه الخطوة بدولة الإمارات إلى مراتب متقدمة في التصنيفات العالمية للتمكين السياسي . كما أن التقدم واضح أيضًا في القطاع الخاص، مع وجود تفويضات تلزم الشركات المدرجة بتمثيل نسائي في مجالس إدارتها، وجهود جارية لتعزيز دور المرأة في القضاء . وبالطبع، لا تزال هناك تحديات؛ فالحواجز المؤسسية، والأعراف المجتمعية، والصراع الدائم لتحقيق التوازن بين العمل والحياة، لا تزال تعيق التقدم إلى أعلى المستويات . الحكومة كحليف: دفع عجلة التوازن بين الجنسين
السياسة والرؤية: التزام الإمارات بالمساواة
إن تقدم المرأة في الإمارات لا يحدث بالصدفة؛ بل هو جزء أساسي من الاستراتيجية الوطنية، ومتجذر بعمق في المبادئ التأسيسية التي أرساها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان . تدعم الحكومة بنشاط التوازن بين الجنسين من خلال هيئات مخصصة وتشريعات تقدمية . ويكفل دستور الإمارات نفسه حقوقًا متساوية، بما في ذلك الوضع القانوني، والتعليم، وملكية العقارات، والحصول على فرص العمل . وتؤكد المبادرات الرئيسية هذا الالتزام. فمجلس الإمارات للتوازن بين الجنسين، الذي تأسس عام 2015، يعمل بلا كلل لسد الفجوة بين الجنسين في جميع القطاعات، بهدف تحقيق الريادة العالمية في المساواة . وتضمن القوانين المساواة في الأجور، وتحمي من العنف الأسري، وتكفل حقوق المرأة في الزواج والطلاق . وتنعكس هذه الجهود في التصنيفات الدولية: فقد احتلت الإمارات المرتبة السابعة عالميًا في مؤشر عدم المساواة بين الجنسين الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) لعام 2024، وحققت درجة عالية بلغت 82.5 في تقرير البنك الدولي "المرأة وأنشطة الأعمال والقانون"، متجاوزة بشكل كبير المتوسط الإقليمي . كما أن مؤشرات أخرى، مثل مؤشر معهد جورجتاون للمرأة والسلام والأمن (WPS Index)، تصنف الإمارات بشكل إيجابي أيضًا . تحدي الصور النمطية: واقع المرأة في دبي
لقد حان الوقت للتخلي عن الروايات البالية. غالبًا ما ترسم المفاهيم الخاطئة الشائعة صورة للمرأة في الإمارات على أنها مقيدة أو تفتقر إلى الفرص . بصراحة، الواقع على الأرض، خاصة في مركز حيوي مثل دبي، لا يمكن أن يكون أكثر اختلافًا . فكما رأينا، تتمتع النساء بتعليم عالٍ، ويمارسن مهنًا متنوعة، ويتقلدن مناصب قيادية مهمة . ويتمتعن بحرية حركة كبيرة ويحميهن قوانين مصممة لتعزيز المساواة والسلامة . في الواقع، تصنف دبي باستمرار كواحدة من أكثر المدن أمانًا للنساء على مستوى العالم . وفي حين أن التقاليد الثقافية تحظى بالاحترام، إلا أنها تتعايش مع السياسات التقدمية والإنجازات الملموسة للمرأة المتمكنة . الصورة معقدة، نعم، ولكنها أكثر تقدمية بكثير مما يتم تصويره غالبًا . الإبحار في الثقافة: حيث تلتقي التقاليد بالتقدم الحديث
يتطلب فهم تقدم المرأة في دبي الاعتراف بالسياق الثقافي الفريد . فهنا، تتقاطع التقاليد الإسلامية والإماراتية العريقة، التي تؤكد على الأسرة والحشمة، مع التحديث السريع والظهور المتزايد للمرأة في الحياة العامة والمهنية . ويعني هذا المزيج أنه بينما تحقق النساء نجاحًا ملحوظًا، غالبًا ما تحتفظ التفاعلات في البيئات المختلطة بدرجة من الرسمية وتؤكد على الاحترام المتبادل، مما يعكس القيم الثقافية الراسخة . إنه توازن دقيق، ولكنه يحدد التجربة الإماراتية الحديثة . إن رحلة المرأة في دبي والإمارات هي قصة ملهمة للطموح والإنجاز والتمكين المدعوم حكوميًا . فمن الفصول الدراسية إلى مجالس الإدارة، لا تشارك المرأة الإماراتية فحسب؛ بل تقود وتشكل مستقبل أمتها . وفي حين أن التعامل مع التفاعل بين التقاليد والحداثة يطرح اعتبارات مستمرة ، فإن المسار إيجابي بلا شك، ويعد بمستقبل أكثر إشراقًا تصنعه هؤلاء النساء الديناميكيات والقادرات.