هل سمعت يومًا عن مدينة تُبنى بالكامل حول مطار؟ هذا هو الواقع الطموح الذي يتشكل في دبي الجنوب، أحد أهم المشاريع الحضرية في الإمارة. أُطلق المشروع في الأصل عام 2006 باسم دبي وورلد سنترال (DWC)، ثم حصل على هوية جديدة في عام 2015. تخيل معي هذا المشهد: مدينة ضخمة مخططة على مساحة 145 كيلومترًا مربعًا، مصممة من الألف إلى الياء حول ما يُتوقع أن يصبح أكبر مطار في العالم. إنه أكبر مشروع تطوير حضري منفرد في دبي، ودليل على رؤية الإمارة المستقبلية. دعنا نستكشف ما الذي يجعل هذه "المدينة المطار" (aerotropolis) تنبض بالحياة، بدءًا من مفهومها الأساسي وصولًا إلى مناطقها الصاخبة ودورها الحيوي في مستقبل دبي الاقتصادي. مفهوم "المدينة المطار": ما هي دبي الجنوب؟
إذن، ما هي بالضبط "المدينة المطار" (aerotropolis)؟ فكّر فيها كمدينة يدور فيها كل شيء – التخطيط، البنية التحتية، الاقتصاد – حول مطار رئيسي، وفي هذه الحالة، مطار آل مكتوم الدولي (DWC). صُممت دبي الجنوب كنظام بيئي متكامل ومكتفٍ ذاتيًا حيث يمتزج الطيران والخدمات اللوجستية والأعمال والمنازل والترفيه بسلاسة. الهدف طموح: "مدينة داخل مدينة" تهدف إلى استيعاب ما يصل إلى مليون نسمة وتوليد حوالي 500,000 فرصة عمل. تتماشى هذه الخطة الكبرى تمامًا مع أهداف دبي الاستراتيجية، مثل أجندة دبي الاقتصادية D33 وخطة دبي الحضرية 2040. تقسّم الخطة الرئيسية بذكاء دبي الجنوب إلى ثماني مناطق مترابطة: مطار آل مكتوم الدولي، ومنطقة الطيران، والمنطقة اللوجستية، والمنطقة السكنية، والمنطقة التجارية، ومنطقة الغولف، ومنطقة المعارض (الآن مدينة إكسبو دبي)، والمنطقة الإنسانية. لكل منطقة تخصصها، لكنها تعمل جميعًا معًا، مدعومة ببنية تحتية ذكية ووصلات نقل ممتازة. موقعها استراتيجي جدًا أيضًا، حيث تقع بين دبي وأبو ظبي وبجوار ميناء جبل علي الضخم، مما يوفر ربطًا رائعًا. بالإضافة إلى ذلك، تعمل كمنطقة حرة، وتقدم مزايا مثل الملكية الأجنبية بنسبة 100% والإعفاءات الضريبية، مما يجعلها نقطة جذب للأعمال التجارية الدولية. القلب النابض: مطار آل مكتوم الدولي (DWC)
في قلب دبي الجنوب يقع مطار آل مكتوم الدولي (DWC)، المحرك الذي يقود هذه "المدينة المطار" بأكملها. بدأت رحلات الشحن الجوي في عام 2010، تلتها خدمات الركاب في عام 2013. لكن مطار آل مكتوم الدولي ليس مجرد مطار آخر؛ إنه مُقدّر له أن يكون حجر الزاوية في مستقبل الطيران في دبي، مع خطط ليصبح أكبر مطار في العالم من حيث الحجم والسعة بمجرد اكتمال تطويره بالكامل. بصراحة، الحجم مذهل. في أبريل 2024، حصلت خطة توسعة ضخمة بقيمة 128 مليار درهم إماراتي (حوالي 35 مليار دولار أمريكي) على الضوء الأخضر. تهدف المرحلة الأولى، المتوقعة حوالي عام 2034-2035، إلى تحقيق سعة استيعابية تبلغ 150 مليون مسافر سنويًا. الهدف النهائي؟ التعامل مع ما يصل إلى 260 مليون مسافر و12 إلى 16 مليون طن من البضائع كل عام. سيمتد المطار على مساحة تزيد عن 70 كيلومترًا مربعًا، ويضم خمسة مدارج متوازية بطول 4.5 كيلومتر، وخمسة مباني للمسافرين، وأكثر من 400 بوابة للطائرات – أي ما يعادل خمسة أضعاف حجم مطار دبي الدولي الحالي (DXB) تقريبًا. تتضمن الخطة نقل جميع العمليات تدريجيًا من مطار دبي الدولي (DXB)، مع استعداد شركات طيران كبرى مثل طيران الإمارات لنقل مركز عملياتها إلى هنا بحلول عام 2034. الأمر لا يتعلق بالحجم فقط؛ يركز التصميم بشدة على التكنولوجيا المتطورة والاستدامة وخلق تجربة ركاب استثنائية. قوة دافعة للطيران: مركز محمد بن راشد للطيران (MBRAH)
بجوار المطار مباشرة تقع منطقة الطيران المخصصة، والمعروفة رسميًا باسم مركز محمد بن راشد للطيران (MBRAH). هذه المنطقة الحرة المتخصصة التي تتراوح مساحتها بين 6.7 و7 كيلومترات مربعة، تخلق نظامًا بيئيًا كاملًا مخصصًا لصناعات الطيران والفضاء. فكّر فيه كفريق دعم نهائي للمطار وعالم الطيران الأوسع. إنه يلبي احتياجات الجميع بدءًا من الموردين والمتخصصين في الصيانة (MROs) إلى المصنعين ومؤسسات التدريب، ويهدف إلى أن يكون المقر الإقليمي لكبرى شركات الطيران. ما الذي يحدث هنا؟ لديك مرافق للطيران العام، تتعامل مع الطائرات الخاصة ورجال الأعمال مع صالات كبار الشخصيات وحظائر الطائرات – شركات مثل فالكون للطيران تستثمر بالفعل بشكل كبير هنا. هناك مراكز حديثة للصيانة والإصلاح والعمرة (MRO)، بالإضافة إلى مراكز للتعليم والتدريب، مثل المنشأة القادمة للذراع التجاري للهيئة العامة للطيران المدني، المركز الدولي للاستشارات والتدريب في مجال الطيران (IACT). كما يوفر مساحة للبحث والتطوير (R&D) ومستودعات ومكاتب مخصصة لسلسلة توريد صناعة الطيران. ودعنا لا ننسى، إنه المقر الدائم لمعرض دبي للطيران المرموق. الميزة الكبرى؟ الوصول المباشر إلى ساحة المطار وكونها منطقة حرة جمركية مرتبطة بساحة المطار، مما يجعل العمليات سلسة للغاية. كما أن موقعها بالقرب من مطار آل مكتوم الدولي وميناء جبل علي يعني روابط شحن فعالة بين البحر والجو. محرك التجارة: المناطق اللوجستية والتجارية
تُعد المنطقة اللوجستية في دبي الجنوب قوة هائلة، فهي مصممة كمنصة متطورة متعددة الوسائط لسلاسل التوريد العالمية عبر مساحتها البالغة 18 كيلومترًا مربعًا. موقعها المتميز بين مطار آل مكتوم الدولي وميناء جبل علي يمثل ميزة ضخمة، حيث يوفر ربطًا لا يُصدق جوًا وبحرًا وبرًا. من أبرز معالمها الممر اللوجستي المخصص والمرتبط جمركيًا (حوالي 200 كيلومتر مربع) الذي يربط المنطقة مباشرة بالميناء. يسمح هذا للبضائع بالانتقال بسرعة بين البحر والجو في غضون 20 دقيقة فقط، مما يخلق مركزًا لوجستيًا فائق الكفاءة. الأمر كله يتعلق بالخدمات اللوجستية سريعة الدورة ومساعدة الشركات على توفير التكاليف التشغيلية. تنقسم المنطقة بذكاء إلى مناطق متخصصة مثل منطقة وكلاء الشحن ذات الوصول المباشر إلى محطات الشحن في مطار آل مكتوم الدولي، ومنطقة لوجستيات العقود الموجهة نحو الشحن البحري عبر جبل علي، و"إي زد دبي" (EZDubai)، وهي منطقة حرة مخصصة للتجارة الإلكترونية تستفيد من ازدهار تجارة التجزئة عبر الإنترنت. يمكن للشركات العثور على مستودعات جاهزة للاستخدام أو مبنية خصيصًا، ومكاتب حديثة، ومرافق مشتركة. تم بناء البنية التحتية للتعامل مع كميات هائلة، ودعم قدرة الشحن المستقبلية لمطار آل مكتوم الدولي البالغة 12 مليون طن سنويًا. وقد أقامت شركات كبرى مثل يو بي إس (UPS) وجاس وورلدوايد (JAS Worldwide) بالفعل عمليات رئيسية هنا، مستفيدة من الخدمات رفيعة المستوى. تعمل أدوات الكفاءة مثل منصة "مساري" على تبسيط العمليات، وهناك تركيز حتى على الاستدامة من خلال خدمات إعادة التدوير. إلى جانب الخدمات اللوجستية، تتميز دبي الجنوب بمناطق تجارية مهمة، لا سيما مجمع الأعمال. توفر هذه المنطقة مساحات مكتبية حديثة ومرنة – جاهزة للاستخدام أو بنظام الهيكل الأساسي – مثالية للشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة والشركات الكبيرة متعددة الجنسيات. العمل داخل منطقة حرة يجلب مزايا مثل الإعفاءات الضريبية وسهولة التأسيس. كما أن قربها من المطار والميناء يجعلها جذابة للغاية. مع توقع أن تؤدي توسعة مطار آل مكتوم الدولي إلى خلق ما يصل إلى 500,000 فرصة عمل في جميع أنحاء دبي الجنوب، فمن المقرر أن يرتفع الطلب على هذه المساحات التجارية. تجسيد الرؤية: المنطقة السكنية والحياة المجتمعية
دبي الجنوب ليست مجرد مكان للأعمال والشحن؛ بل هي مصممة لتكون مكانًا رائعًا للعيش. تُعد المنطقة السكنية مفتاحًا لمفهوم "مدينة داخل مدينة"، حيث تقدم مجموعة واسعة من المنازل إلى جانب وسائل راحة حياتية رائعة. ينصب التركيز على توفير حياة عالية الجودة وبأسعار معقولة تتمحور حول سعادة السكان، وتقع بشكل ملائم بالقرب من مطار آل مكتوم الدولي ومدينة إكسبو دبي. يعيش فيها بالفعل حوالي 25,000 شخص، ولكن مع نمو المطار، يمكن أن يتجاوز هذا العدد المليون في نهاية المطاف. ستجد مزيجًا من العقارات للتملك الحر والإيجار، بما في ذلك الشقق والمنازل المستقلة (تاون هاوس) والفلل، لتناسب مختلف الأذواق والميزانيات. دعني أخبرك عن بعض المواقع الرئيسية: ذا بالس (The Pulse): هذا هو المجتمع الرائد، ويقدم شققًا ومنازل تاون هاوس وفلل. تتميز الشقق بوحدات واسعة مع مرافق مجتمعية رائعة مثل حمامات السباحة والصالات الرياضية. يُعد "ذا بالس بيتش فرونت" (The Pulse Beachfront) من أبرز المعالم، وهو منطقة مسورة تضم فلل ومنازل تاون هاوس تتمحور حول مسبح شاطئي رملي فريد – تخيل حياة المنتجعات في منزلك! إعمار الجنوب (Emaar South): طورتها شركة إعمار، وتقدم هذه المنطقة منازل فاخرة تقع حول ملعب غولف للبطولات، مع التركيز على المساحات الخضراء وأجواء صديقة للأسرة. ساوث باي (South Bay): يتميز هذا المشروع الضخم القادم ببحيرة مذهلة بطول كيلومتر واحد مع فلل فاخرة ومنازل تاون هاوس وحتى قصور على الواجهة البحرية. سكني (Sakany): يوفر هذا المشروع سكنًا عالي المستوى للموظفين، مع التركيز على رفاهية العمال. عزيزي فينيس (Azizi Venice): مستوحى من مدينة البندقية، من المقرر أن يضم هذا المجتمع الفاخر على الواجهة البحرية شققًا، وربما قصورًا، وبحيرة كريستالية، وحتى دور أوبرا عائمة. ساوث ليفينج (South Living): بيع هذا المشروع بسرعة، مما يدل على ارتفاع الطلب على المنازل هنا. من المخطط أن تكون مجتمعًا مكتفيًا ذاتيًا بكل ما تحتاجه في متناول يدك: حدائق، مرافق رياضية، مدارس، متاجر، مطاعم، والكثير من المساحات الخضراء. الربط ممتاز، مع وجود طرق سريعة رئيسية مثل شارع E311 وشارع E611 بالجوار، وإمكانية الوصول إلى المترو عبر مسار إكسبو 2020، وخدمات الحافلات، ووصلات مستقبلية بشبكة قطار الاتحاد. التآزر الاستراتيجي: القرب من مدينة إكسبو والمستقبل الاقتصادي
يضيف موقع دبي الجنوب بجوار موقع إكسبو 2020 السابق، المعروف الآن باسم مدينة إكسبو دبي، طبقة أخرى من المزايا الاستراتيجية. تم بناء منطقة المعارض داخل دبي الجنوب خصيصًا للمعرض العالمي، مستفيدة من مفهوم "المدينة المطار" وربط مطار آل مكتوم الدولي. تتطور مدينة إكسبو دبي الآن لتصبح مركزًا نابضًا بالحياة للابتكار والأعمال والثقافة والمعيشة، حاملةً إرث إكسبو. بالنسبة لسكان دبي الجنوب، يعني هذا سهولة الوصول إلى وسائل الراحة والفعاليات وفرص العمل الفريدة في مدينة إكسبو، مما يجعل المنطقة أكثر جاذبية. هذا يضع دبي الجنوب حقًا في قلب منطقة نمو رئيسية. بالنظر إلى المستقبل، ترتبط الرؤية الاقتصادية طويلة الأجل لدبي الجنوب ارتباطًا وثيقًا بخطط دبي الاستراتيجية الكبرى، مثل أجندة دبي الاقتصادية (D33) وخطة دبي الحضرية 2040. إنها في وضع يمكنها من أن تكون محركًا رئيسيًا للنمو الاقتصادي، حيث تعمل كبوابة دبي إلى العالم للتجارة والخدمات اللوجستية. تُعد التوسعة الهائلة لمطار آل مكتوم الدولي هي حجر الزاوية، وتهدف إلى ترسيخ مكانة دبي كمركز عالمي رائد للمسافرين والبضائع. من المتوقع أن يخلق هذا تأثيرًا مضاعفًا، حيث يولد ما يصل إلى 500,000 فرصة عمل في مختلف القطاعات ويجذب استثمارات ضخمة. إن التكامل السلس بين منطقتي الطيران والخدمات اللوجستية، المرتبطتين بمطار آل مكتوم الدولي وميناء جبل علي، يخلق منصة قوية بشكل لا يصدق لسلاسل التوريد العالمية. كما يعزز وضع المنطقة الحرة جاذبيتها للشركات الدولية. في نهاية المطاف، من المقرر أن تكون دبي الجنوب محركًا رئيسيًا لتنويع اقتصاد دبي وتعزيز ناتجها المحلي الإجمالي، مجسدةً طموح الإمارة في بناء مدينة مستقبلية مستدامة وذكية ومتصلة عالميًا. إنها تعيد تشكيل مشهد دبي حقًا لعقود قادمة.