أليس من المدهش كيف تجد الزراعة طريقها حتى في أكثر الأماكن غير المتوقعة؟ فكّر في دبي والإمارات العربية المتحدة بشكل عام – وهي منطقة تشتهر بصحاريها الخلابة، ومدنها الشاهقة، حسنًا، ليست بالضبط أراضي زراعية خصبة. أكثر من ثلاثة أرباع مساحة الإمارات صحراء، وهطول الأمطار ضئيل، ودرجات الحرارة ترتفع بشدة، والتربة ليست خصبة بطبيعتها، ولا توجد أنهار في الأفق. ومع ذلك، ورغم هذه العقبات الطبيعية الكبيرة، أظهرت حكومة الإمارات التزامًا قويًا بتطوير الزراعة، إدراكًا منها لأهمية الأمن الغذائي الحيوية. تتعمق هذه المقالة في ثلاثة تحديات زراعية رئيسية في دبي وتحديات زراعية تواجهها الإمارات بشكل مباشر: النقص الحاد في المياه، وزيادة ملوحة التربة، والمعركة المستمرة ضد الآفات والأمراض. دعنا نستكشف كيف يواجه الابتكار والعزيمة هذه العقبات في عام 2025. العطش: ندرة المياه – أكبر عقبة تواجه الزراعة
ندرة المياه ليست مجرد تحدٍ في الإمارات؛ بل يمكن القول إنها القضية البيئية الأكثر أهمية التي تواجه مزارعها. تحتل الدولة مرتبة بين أكثر دول العالم إجهادًا مائيًا، وذلك نتيجة مباشرة لمناخها الصحراوي ومصادر المياه العذبة الطبيعية المحدودة جدًا. فكّر في الأمر: يهطل القليل جدًا من الأمطار، وعندما تهطل، تتسبب الحرارة الشديدة في ارتفاع معدلات التبخر، مما يعني أن تجديد المياه الطبيعي شبه منعدم. هذا يجعل الزراعة في الإمارات تعتمد بشكل شبه كامل على الري للبقاء. إذن، من أين تأتي المياه؟ بشكل أساسي، هي مزيج من المياه الجوفية ومياه البحر المحلاة ومياه الصرف الصحي المعالجة. تاريخيًا، كانت المياه الجوفية هي المصدر الرئيسي، وتشكل حوالي 70-72%. تُظهر الأرقام الأحدث تحولًا، حيث تشكل المياه الجوفية حوالي 43.7%، وترتفع نسبة المياه المحلاة إلى 41.4%، وتساهم مياه الصرف الصحي المعالجة بحوالي 14.5%. بغض النظر عن الأرقام الدقيقة، فإن الاعتماد، خاصة في الزراعة، واضح. المفاجأة هي: الزراعة هي أكبر مستهلك للمياه بفارق كبير، حيث تستهلك ما بين 60% و 85% من إجمالي الطلب على المياه في البلاد. تفصّل بعض التقارير نسبة الـ 60% هذه بشكل أكبر، مخصصة 39% للزراعة الإنتاجية، و 11% للمناظر الطبيعية، و 10% للغابات. ويشير مصدر آخر إلى أن حصة الزراعة أعلى من ذلك، حيث تصل إلى 83%. تبدو هذه البصمة المائية الهائلة غير متناسبة إلى حد كبير عندما تفكر في أن الزراعة تساهم بأقل من 1% في الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات. هذا الاعتماد الكبير، خاصة على المياه الجوفية، يؤدي إلى مشكلة استدامة خطيرة. الكثير من المياه الجوفية في الإمارات هي مياه "أحفورية" – مما يعني أنها لا تتجدد. الاستخراج المفرط، مدفوعًا بالتوسع الزراعي (الذي تشجعه الإعانات أحيانًا) واحتياجات السكان والمدن المتزايدة، يتسبب في انخفاض منسوب المياه الجوفية بشكل كبير – ربما حتى متر واحد سنويًا خلال العقود القليلة الماضية. يؤدي هذا إلى تسرب المياه المالحة إلى طبقات المياه الجوفية الساحلية، مما يؤدي إلى تدهور جودة المياه. ومما يثير القلق، تشير بعض التوقعات إلى أن المياه العذبة الطبيعية قد تنفد في غضون 50 عامًا، ويتوقع البعض أن المياه الجوفية قد لا تكون مصدرًا موثوقًا للمحاصيل بعد عام 2030 في ظل الاتجاهات السابقة. قُدّر العمر الافتراضي لهذه الطبقات الجوفية بعقدين إلى أربعة عقود فقط في عام 2015. ومما يزيد الضغط هو ارتفاع نصيب الفرد من استهلاك المياه في الإمارات، وهو من بين الأعلى عالميًا بحوالي 550 لترًا للفرد يوميًا، مدفوعًا بنمط الحياة والنمو والاحتياجات الزراعية. مواجهة العطش: ابتكارات إدارة المياه
حسنًا، الوضع المائي صعب، لكن الإمارات لا تقف مكتوفة الأيدي. هناك توجه كبير نحو استخدام أكثر ذكاءً للمياه في الزراعة. يتم استبدال طرق الري بالغمر القديمة والمُهدِرة للمياه بأنظمة أكثر كفاءة مثل الري بالتنقيط، والري الفقاعي، والرشاشات. يمكن لهذه التقنيات الحديثة أن تقلل من استخدام المياه بنسبة تصل إلى 60%. في عام 2003، كانت مزارع أبوظبي تفضل بشدة الري بالتنقيط (74.5%). الآن، يأخذ الري الذكي باستخدام إنترنت الأشياء (IoT) والذكاء الاصطناعي (AI) الكفاءة إلى أبعد من ذلك، حيث يتم تكييف توصيل المياه لاحتياجات النبات في الوقت الفعلي. مصادر المياه البديلة ضرورية أيضًا. تعد تحلية المياه جزءًا رئيسيًا من استراتيجية المياه الشاملة لدولة الإمارات، حيث توفر جزءًا كبيرًا من مياه الشرب والمياه الصناعية. على الرغم من أنها مكلفة وتستهلك الكثير من الطاقة، إلا أنه يتم استكشاف استخدام المياه المحلاة للمحاصيل عالية القيمة بشكل أكبر، على الرغم من أن التكلفة لا تزال عقبة أمام العديد من المزارعين. معالجة مياه الصرف الصحي هي مجال رئيسي آخر. إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة (TSE)، بشكل أساسي للمناظر الطبيعية والغابات، تساعد في توفير المياه العذبة الثمينة لاستخدامات أخرى. الهدف هو زيادة كمية مياه الصرف الصحي المعاد استخدامها بشكل كبير. تلعب السياسات دورًا كبيرًا أيضًا. تحدد استراتيجية الأمن المائي لدولة الإمارات 2036 أهدافًا طموحة: تقليل إجمالي الطلب على المياه بنسبة 21%، وزيادة إنتاجية المياه، وزيادة إعادة استخدام المياه المعالجة إلى أقصى حد بنسبة 95%، وتعزيز تخزين المياه. تشمل الاستراتيجيات الأخرى إعطاء الأولوية للمياه للمحاصيل الأساسية على حساب المناظر الطبيعية الجمالية البحتة، وتشجيع النباتات المحلية المقاومة للجفاف، وجدولة الري بعناية لتقليل الفاقد. الأرض المالحة: قبضة ملوحة التربة على المحاصيل
جنبًا إلى جنب مع ندرة المياه، يأتي صداع رئيسي آخر لمزارعي الإمارات: ملوحة التربة. ببساطة، هذا هو تراكم الأملاح في التربة، وهو شكل رئيسي من أشكال تدهور التربة، ويُلاحظ بشكل خاص في أبوظبي. لماذا هي مشكلة كبيرة هنا؟ معدلات التبخر العالية هي السبب الرئيسي؛ فمع تبخر مياه الري من سطح التربة الحار، تترك الأملاح خلفها. يعني نقص الأمطار الغزيرة أن هذه الأملاح لا تُغسل بشكل طبيعي أو تتسرب عميقًا في الأرض. علاوة على ذلك، غالبًا ما تكون المياه الجوفية المستخدمة للري قليلة الملوحة (مالحة) بشكل طبيعي، وتتفاقم هذه الملوحة بسبب تسرب مياه البحر الناتج عن الإفراط في ضخ المياه الجوفية. استخدام هذه المياه المالحة يضيف مباشرة المزيد من الملح إلى التربة. في بعض الأماكن، يؤدي سوء تصريف التربة إلى تفاقم المشكلة، مما يمنع غسل الأملاح حتى لو تم تطبيق مياه إضافية. التأثير على المحاصيل قاسٍ. تجعل مستويات الملح المرتفعة من الصعب على النباتات امتصاص الماء، مما يخلق نوعًا من "الجفاف الفسيولوجي" حتى لو بدت التربة رطبة. كما أن الملوحة تعيق امتصاص العناصر الغذائية ويمكن أن تكون سامة مباشرة للنباتات. النتيجة؟ توقف النمو، وانخفاض الغلة، وأحيانًا فشل المحاصيل بالكامل. يُقدّر أن أكثر من 80% من الأراضي المروية في أبوظبي تعاني من مشاكل الملوحة، مما يؤثر على صحة التربة وإنتاج المزارع. حتى نخيل التمر القوي يمكن أن يشهد انخفاضًا في إنتاجه بمقدار النصف في ظل الملوحة العالية. هذه المشكلة تؤدي إلى تدهور خصوبة التربة، وتضر بالكائنات الحية الدقيقة المفيدة في التربة، وتساهم في التصحر – وهي قضية عالمية تفقد آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية يوميًا. إدارة الملوحة: استراتيجيات لتربة أكثر صحة
التعامل مع التربة المالحة يتطلب إدارة دقيقة. إحدى التقنيات الرئيسية هي الغسيل – أي تطبيق مياه إضافية لإذابة الأملاح وغسلها إلى ما دون منطقة جذور النبات. يعمل هذا بشكل أفضل في المواسم الباردة ولكنه يحتاج إلى تصريف جيد وكمية كافية من المياه ذات الجودة المناسبة، وهو ما قد يكون صعبًا. حساب الكمية المناسبة من المياه الإضافية (متطلبات الغسيل أو LR) مهم لتجنب الهدر. الري الأكثر ذكاءً، مثل استخدام أنظمة التنقيط، يساعد على تطبيق المياه بدقة، مما يقلل من الاستخدام الكلي ويبطئ تراكم الأملاح مقارنة بطرق الغمر. استخدام أفضل نوعية مياه متاحة أمر حيوي، ربما عن طريق تخصيص المياه المحلاة للمحاصيل الحساسة واستخدام مياه أكثر ملوحة قليلاً للمحاصيل المتحملة، مع مطابقة المياه دائمًا لظروف التربة. يمكن أن يساعد أيضًا تحسين تصريف التربة وتقليل التبخر السطحي باستخدام النشارة (Mulch). إضافة المواد العضوية يمكن أن تخفف من آثار الملوحة، وقد تكون هناك حاجة إلى الجبس للتربة التي تحتوي على نسبة عالية من الصوديوم. اختيار المحاصيل المناسبة أمر بالغ الأهمية. زراعة الأصناف المتحملة للملوحة، بما في ذلك النباتات الصحراوية المحلية المتكيفة بالفعل مع هذه الظروف، هي استراتيجية ذكية. تعمل مراكز الأبحاث مثل المركز الدولي للزراعة الملحية (ICBA) في دبي بنشاط على تطوير مثل هذه المحاصيل وتعزيز تقنيات الزراعة الملحية. تساعد المراقبة المنتظمة لملوحة التربة باستخدام أجهزة الاستشعار والرجوع إلى خرائط الملوحة، مثل تلك التي أنشأتها هيئة البيئة – أبوظبي (EAD)، في توجيه القرارات على مستوى المزرعة والخطط الإقليمية مثل خطة إدارة ملوحة التربة في أبوظبي. الضيوف غير المرغوب فيهم: ضغط الآفات والأمراض
وكأن الماء والملح لم يكونا كافيين، يواجه المزارعون في الإمارات أيضًا ضغطًا كبيرًا من الآفات والأمراض. المناخ الدافئ، مع أنه يسمح بمواسم نمو ممتدة (خاصة في البيوت المحمية)، يخلق للأسف أيضًا ظروفًا مثالية لازدهار العديد من الحشرات ومسببات الأمراض. يمكن أن تؤدي هذه التحديات الحيوية إلى خسائر اقتصادية كبيرة من خلال انخفاض الغلة، وتدني جودة المحاصيل، وارتفاع تكلفة تدابير المكافحة. من هم الجناة الرئيسيون؟ بالنسبة لنخيل التمر الشهير، فإن سوسة النخيل الحمراء (RPW) هي العدو العام رقم واحد. هذه الخنفساء الغازية، التي موطنها الأصلي آسيا، وصلت إلى الإمارات في منتصف الثمانينيات وتسببت في أضرار واسعة النطاق. تحفر يرقاتها أنفاقًا غير مرئية داخل جذع النخلة، مما يؤدي في النهاية إلى قتل الشجرة. الكشف المبكر صعب، مما يجعل المكافحة صعبة. سوسة النخيل الحمراء (RPW) هي تهديد عالمي، تكلف المليارات وتؤثر على ملايين المزارعين. تشمل آفات نخيل التمر الأخرى الحفارات والعناكب مثل 'المغبرة'. الخضروات ليست بمنأى أيضًا. تشمل الآفات الشائعة الذباب الأبيض، وصانعات الأنفاق، وديدان الفاكهة المختلفة، والديدان القارضة، والمن، والعناكب الحمراء. تلحق هذه الحشرات أضرارًا بالنباتات بطرق مختلفة – امتصاص العصارة، وحفر الأنفاق في الأوراق، وأكل الفاكهة – مما يضعفها ويقلل من المحاصيل. من حين لآخر، تشكل أسراب الجراد تهديدًا أيضًا. أمراض النبات، وغالبًا ما تكون فطرية أو بكتيرية مثل موت البادرات (damping-off)، والبياض الدقيقي، واللفحات، والأنثراكنوز، شائعة أيضًا، وتتفاقم أحيانًا بسبب الرطوبة أو الري غير الصحيح. يمكن أن يعاني نخيل التمر من تبقع الأوراق واللفحة السوداء، بينما كان مرض موت أطراف المانجو (Mango Dieback) أيضًا مصدر قلق خاص. المقاومة: الإدارة المتكاملة للآفات (IPM) في الإمارات
يتجه النهج المتبع في مكافحة هذه الآفات والأمراض بشكل متزايد نحو الإدارة المتكاملة للآفات (IPM). هدف الإدارة المتكاملة للآفات هو إدارة الآفات بفعالية مع تقليل المخاطر المرتبطة بالاستخدام الكثيف للمواد الكيميائية. طرق المكافحة المختلفة هي جزء من مجموعة أدوات الإدارة المتكاملة للآفات. لا تزال المبيدات الكيميائية تستخدم على نطاق واسع، وأحيانًا يتم تطبيقها بشكل روتيني في مزارع الخضروات أو حقنها في النخيل لمكافحة سوسة النخيل الحمراء (RPW). ومع ذلك، فإن المخاوف بشأن التأثير البيئي، والمخلفات، وتطور مقاومة الآفات للمبيدات، تدفع الاهتمام بالبدائل. تستخدم المكافحة البيولوجية الأعداء الطبيعيين – فكّر في الحشرات النافعة مثل الدعسوقة أو الميكروبات المحددة – للسيطرة على أعداد الآفات. تشمل المكافحة الزراعية الممارسات الزراعية التي لا تشجع الآفات، مثل الدورة الزراعية، والزراعة البينية، والنظافة الجيدة، والإدارة السليمة للمياه، ومعالجة البذور قبل الزراعة. تشمل الطرق الفيزيائية استخدام الشباك لمنع الحشرات أو المصائد، مثل المصائد الفرمونية الحاسمة لمراقبة واصطياد سوسة النخيل الحمراء (RPW). تهدف تصميمات المصائد المبتكرة مثل ELECTRAP® إلى تحقيق كفاءة أعلى. الفكرة الأساسية للإدارة المتكاملة للآفات هي الجمع بين هذه الاستراتيجيات بذكاء، ومراقبة مستويات الآفات باستمرار، واللجوء إلى المواد الكيميائية فقط عند الضرورة القصوى. تعمل السلطات مثل هيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية (ADAFSA) بنشاط على تعزيز الإدارة المتكاملة للآفات. تعتمد الإدارة الفعالة بشكل كبير على الكشف المبكر من خلال المراقبة والتشخيص المتقدم. تعد التعاونات البحثية بين الحكومة والهيئات الدولية مثل منظمة الأغذية والزراعة (FAO) والمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (ICARDA)، والمؤسسات البحثية مثل جامعة خليفة، حيوية لتطوير حلول جديدة، مثل المكافحة الحيوية أو الطرق الوراثية ضد سوسة النخيل الحمراء (RPW). دعم المزارعين من خلال التدريب والخدمات الإرشادية، مثل تلك التي تقدمها وزارة التغير المناخي والبيئة (MOCCAE)، وهيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية (ADAFSA)، ومبادرات مثل مدارس المزارعين الحقلية، ضروري أيضًا لوضع هذه الاستراتيجيات موضع التنفيذ بفعالية.