يشتهر أفق دبي بطموحه، ولكن إذا نظرت عن كثب، سترى نوعًا مختلفًا من التحول قيد التنفيذ – تحول تغذيه الشمس. تتحول الإمارة، إلى جانب دولة الإمارات العربية المتحدة الأوسع، بسرعة نحو مستقبل مستدام وأخضر، لتصبح رائدة عالميًا في مجال الطاقة النظيفة . هذا ليس مجرد كلام؛ بل تدعمه استراتيجيات قوية مثل استراتيجية الإمارات للطاقة 2050 واستراتيجية دبي للطاقة النظيفة 2050 (DCES 2050)، التي تهدف بجرأة إلى تحقيق 100% من قدرة الطاقة النظيفة بحلول منتصف القرن . إذًا، كيف تنسج دبي الطاقة الشمسية والطاقات المتجددة في نسيج هندستها المعمارية وبنيتها التحتية؟ سنستكشف مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية الضخم، وصعود المباني ذات صافي الانبعاثات الصفري، ومبادرة "شمس دبي" الذكية التي تجعل الطاقة الشمسية في متناول الجميع. استعد لترى كيف تسخر دبي أشعة شمسها الوفيرة. المخطط الاستراتيجي: تشغيل دبي أكثر اخضرارًا
لا تكتفي دولة الإمارات العربية المتحدة بتجربة الطاقات المتجددة فحسب؛ بل تغوص فيها بكل قوة مع استراتيجية الإمارات للطاقة 2050 المحدثة . الأهداف طموحة: بحلول عام 2030، مضاعفة مساهمة الطاقة المتجددة ثلاث مرات، والوصول إلى 19.8 جيجاوات من القدرة المركبة النظيفة، وضمان أن تشكل المصادر النظيفة 30% من إجمالي مزيج الطاقة . لتحقيق ذلك، يُخطط لاستثمار ضخم يتراوح بين 150 و200 مليار درهم إماراتي بحلول عام 2030، مما لا يلبي احتياجات الطاقة فحسب، بل يدعم أيضًا النمو الاقتصادي والأهداف المناخية . التركيز واسع النطاق، ويشمل الطاقات المتجددة، والطاقة النووية، وكفاءة الطاقة، والبحث والتطوير، وحتى خلق حوالي 50,000 وظيفة خضراء . بالانتقال إلى مستوى الإمارة، تُعد استراتيجية دبي للطاقة النظيفة 2050 (DCES 2050)، التي أُطلقت في نوفمبر 2015، هي القوة الدافعة المحلية . في البداية، كان الهدف 75%، ثم ارتفع الهدف ليصل إلى تحقيق 100% من قدرة دبي على توليد الطاقة من مصادر نظيفة بحلول عام 2050 . ترتكز هذه الاستراتيجية على خمس ركائز أساسية: البنية التحتية (مثل مجمعات الطاقة الشمسية الضخمة)، والتشريعات (وضع قواعد داعمة)، والتمويل (مثل صندوق دبي الأخضر بقيمة 100 مليار درهم إماراتي)، وبناء القدرات (تدريب القوى العاملة)، ومزيج طاقة مخطط بعناية (تحديد أهداف مرحلية، مثل 25% طاقة شمسية بحلول عام 2030) . إنها خطة شاملة تحول دبي إلى مركز عالمي للطاقة النظيفة . جوهرة التاج: مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية
في قلب حلم دبي للطاقة المتجددة يقع مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية (MBR) – وهو مشروع ذو نطاق ملحمي حقًا . أُطلق في عام 2012، وهو أكبر مجمع للطاقة الشمسية في موقع واحد في العالم يستخدم نموذج المنتج المستقل للطاقة (IPP) . الخطة؟ قدرة هائلة تبلغ 5,000 ميجاوات بحلول عام 2030، مدعومة باستثمارات بقيمة 50 مليار درهم إماراتي . بمجرد اكتماله، من المتوقع أن يقلل هذا العملاق الشمسي انبعاثات الكربون بأكثر من 6.5 مليون طن سنويًا . في الوقت الحالي، يضخ بالفعل 2,627 ميجاوات من الطاقة النظيفة . تطوير المجمع هو قصة تُروى على مراحل، كل مرحلة تتجاوز الحدود. بدأت المرحلة الأولى الأمور في عام 2013 بقدرة 13 ميجاوات من الطاقة الكهروضوئية (PV) . تلتها المرحلة الثانية (200 ميجاوات PV) في عام 2017، مسجلةً سعر عطاء قياسي منخفض وتزويد 50,000 منزل بالطاقة . أضافت المرحلة الثالثة 800 ميجاوات إلى الشبكة بحلول عام 2020، مقدمةً أنظمة تتبع شمسي متقدمة بفضل ائتلاف بقيادة "مصدر" . ثم جاءت المرحلة الرابعة، التي غيرت قواعد اللعبة وافتُتحت في عام 2023 . هذا العملاق البالغ 950 ميجاوات هو أكبر مشروع للطاقة الشمسية المركزة (CSP) في العالم، ويضم أطول برج CSP (263 مترًا!)، وأحواض قطع مكافئ، وألواح كهروضوئية، بالإضافة إلى تخزين حراري قياسي يسمح بتوليد الطاقة حتى بعد غروب الشمس . أضافت المرحلة الخامسة 900 ميجاوات أخرى من الطاقة الكهروضوئية في عام 2023، محققةً مرة أخرى سعر عطاء قياسي عالمي منخفض . والمرحلة السادسة قيد التنفيذ بالفعل مع "مصدر"، ومن المقرر أن تضيف 1,800 ميجاوات باستخدام تقنية الألواح ثنائية الوجه المتطورة بحلول عام 2026 . لكن مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية هو أكثر من مجرد توليد للطاقة. يستضيف مركزًا للابتكار، ومركزًا رئيسيًا للبحث والتطوير يختبر تقنيات الطاقة الشمسية وتحلية المياه، وحتى مشروعًا رائدًا للهيدروجين الأخضر تم تطويره بالتعاون مع Expo 2020 وشركة Siemens Energy . إنه رمز قوي لالتزام دبي، يدفع التقدم نحو أهداف استراتيجية دبي للطاقة النظيفة 2050 (DCES 2050) ومبادرة الإمارات للحياد المناخي 2050 . الهندسة المعمارية تلتقي بالكفاءة: مباني الطاقة الصفرية الصافية
بعيدًا عن مزارع الطاقة الشمسية الصحراوية الشاسعة، تجلب دبي الثورة الخضراء مباشرة إلى مبانيها من خلال مباني الطاقة الصفرية الصافية (NZEBs) . ما هو بالضبط مبنى الطاقة الصفرية الصافية؟ ببساطة: هو مبنى ينتج طاقة متجددة في الموقع بقدر ما يستهلك (أو أكثر) على مدار عام . لماذا هذا مهم جدًا في دبي؟ حسنًا، المباني، وخاصة تكييف الهواء فيها (الذي يصل أحيانًا إلى 80% من الاستخدام!)، هي مستهلك كبير للطاقة هنا . جعلها ذات صافي انبعاثات صفري أمر حيوي لتحقيق أهداف الاستدامة . بدأنا بالفعل نرى أمثلة رائعة تظهر. مقر هيئة كهرباء ومياه دبي (ديوا) الجديد المذهل، "الشراع" (The Sail)، مصمم ليكون أطول وأكبر وأذكى مبنى حكومي ذي طاقة صفرية صافية في العالم . يهدف للحصول على أعلى الشهادات الخضراء مثل LEED Platinum و WELL Silver، مما يثبت أن الأداء العالي وراحة شاغلي المبنى يمكن أن يسيرا جنبًا إلى جنب . رائد آخر هو حرم جامعة دبي، الذي أُعلن كأول مبنى ذي طاقة صفرية صافية معتمد بشهادة LEED في المنطقة بفضل محطة طاقة شمسية كبيرة ركبتها شركة CleanMax، والتي تغطي 100% من احتياجاته من الكهرباء وحققت وفورات كبيرة . جهود مثل مجتمع "المدينة المستدامة" (The Sustainable City) والأبحاث في مبنى معهد SEE تدفع أيضًا حدود التصميم منخفض الطاقة . يتطلب تحقيق حالة مبنى الطاقة الصفرية الصافية تصميمًا ذكيًا منذ البداية – أشياء مثل تحسين شكل المبنى، واستخدام عزل ونوافذ عالية الأداء، وتركيب تكييف هواء وإضاءة فائقة الكفاءة، والأهم من ذلك، إضافة ألواح شمسية في الموقع . تمكين التحول: السياسات والحوافز الحكومية
المشاريع الكبيرة والمباني الذكية رائعة، لكن جعل الطاقات المتجددة سائدة يتطلب نظام دعم مناسب. هنا يأتي دور سياسات وحوافز حكومة دبي، التي تخلق بيئة يمكن أن تزدهر فيها الطاقة الشمسية حقًا . تحدد استراتيجية دبي للطاقة النظيفة 2050 الشاملة الاتجاه، بهدف جعل دبي رائدة عالميًا في مجال الطاقة النظيفة . مبادرة بارزة ضمن هذه الاستراتيجية هي "شمس دبي"، التي أطلقتها هيئة كهرباء ومياه دبي (ديوا) . فكر فيها على أنها تفتح الباب لأصحاب المنازل والشركات لتركيب أنظمة الطاقة الشمسية الكهروضوئية الخاصة بهم على الأسطح . ينظمها قرار المجلس التنفيذي رقم 46 لعام 2014، مما يسمح للناس بربط أنظمتهم الشمسية بشبكة هيئة كهرباء ومياه دبي . تستخدم الطاقة التي تولدها، وأي فائض يُعاد إلى الشبكة . بحلول نهاية عام 2023، تم تركيب أكثر من 620 ميجاوات بفضل "شمس دبي" . كيف يساعد إرسال الطاقة مرة أخرى؟ هنا يأتي دور نظام صافي القياس (Net Metering) – إنه القلب المالي لمبادرة "شمس دبي" . مقابل كل وحدة كهرباء تصدرها، تحصل على رصيد في فواتيرك المستقبلية، مما قد يخفضها إلى الصفر . هذا يجعل تركيب الألواح الشمسية استثمارًا أكثر جاذبية . إلى جانب "شمس دبي"، تفرض لوائح المباني الخضراء لبلدية دبي كفاءة الطاقة والطاقات المتجددة في الإنشاءات الجديدة وتشجع على التعديلات التحديثية في المباني القديمة . المساعدة المالية متاحة أيضًا من خلال صندوق دبي الأخضر (Dubai Green Fund) و"القروض الخضراء" الخاصة من البنوك . إنه نهج متعدد الجوانب يجعل اعتماد الطاقة الشمسية أسهل وأكثر جدوى . آفاق متوسعة: الإمكانات المستقبلية للطاقة المتجددة
لم تستغل دبي سوى جزء بسيط من إمكاناتها في مجال الطاقة المتجددة. بفضل أشعة الشمس الوفيرة، وانخفاض تكاليف التكنولوجيا، والدعم الحكومي الثابت، تستعد الإمارة لتوسع كبير في تطبيقات الطاقة النظيفة . لا تزال إمكانات الطاقة الشمسية على الأسطح ضمن مبادرة "شمس دبي" هائلة، خاصة مع هدف وضع الألواح على كل سطح بحلول عام 2030 . ستستمر المشاريع على نطاق المرافق مثل مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية في النمو، متضمنة تقنيات أكثر تقدمًا مثل الألواح ثنائية الوجه . لكن الأمر لا يقتصر على الطاقة الشمسية الكهروضوئية القياسية. تستكشف دبي مجموعة متنوعة من التقنيات النظيفة. توفر الطاقة الشمسية المركزة (CSP)، المعروضة في المرحلة الرابعة من مجمع محمد بن راشد آل مكتوم، تخزينًا قيمًا للطاقة . يشير مشروع الهيدروجين الأخضر التجريبي إلى التحرك نحو إزالة الكربون من القطاعات الأخرى . تعالج تحلية المياه بالطاقة الشمسية ندرة المياه بشكل مستدام . حتى الطاقة الكهرومائية تحظى بالاهتمام مع محطة الضخ والتخزين في حتا التي توفر مرونة للشبكة . وبينما تهيمن الطاقة الشمسية، يتم أيضًا تطوير مشاريع طاقة الرياح . هذا التوسع مدفوع بأهداف استثمار حكومية ضخمة (150-200 مليار درهم إماراتي على المستوى الوطني بحلول عام 2030) والجدوى الاقتصادية الواضحة التي أصبحت تتمتع بها الطاقات المتجددة الآن . بالطبع، توجد تحديات مثل التكاليف الأولية، وتكامل الشبكة، وغبار الصحراء، لكن دبي تتعامل معها بنشاط، مما يمهد الطريق لمستقبل طاقة مستدام حقًا .