العيش كوافد في الإمارات العربية المتحدة، هذا المركز النابض بالحياة الذي يُشكل الأجانب حوالي 88% من سكانه ، يعني بناء حياة بعيدًا عن الوطن. لذا، فإن تأمين أصولك التي كسبتها بعرق جبينك وضمان مستقبل عائلتك يُعد أمرًا بالغ الأهمية . تاريخيًا، كان التعامل مع قوانين الميراث هنا يبدو معقدًا، خاصة إذا توفيت دون وصية (intestate) . لحسن الحظ، جلبت الإصلاحات القانونية الأخيرة وضوحًا كبيرًا لغير المسلمين، ولكن فهم القواعد والدور الحيوي للوصية المسجلة لا يزال أمرًا حاسمًا . يوضح هذا الدليل المشهد الحالي للميراث في الإمارات للوافدين، شارحًا لماذا لا تُعد الوصية مجرد أمر مستحسن – بل هي ضرورية. فهم نظام الميراث في الإمارات: القواعد الافتراضية القديمة
قبل الإصلاحات الأخيرة التي غيرت قواعد اللعبة، ماذا كان يحدث إذا توفي وافد غير مسلم في الإمارات دون وصية مسجلة؟ هذا الوضع، المعروف بالوفاة دون وصية (intestate)، كان يعني أن قانون الإمارات هو الذي يحكم توزيع الأصول الموجودة داخل الدولة . غالبًا، كان هذا يتضمن تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية، كما هو موضح في تشريعات مثل قانون الأحوال الشخصية الإماراتي والقانون المدني . يشمل الميراث في الشريعة الإسلامية مفهومًا يسمى "الإرث الإجباري" (forced heirship)، حيث يحصل أفراد معينون من العائلة على حصص محددة مسبقًا . قد لا تتماشى هذه الحصص مع رغباتك الشخصية أو قوانين بلدك الأصلي، وتاريخيًا، كان يمكن أن تكون هناك اختلافات بناءً على الجنس . على سبيل المثال، قد ترث الزوجة التي لديها أطفال 1/8 فقط من تركة زوجها، بينما قد يحصل الزوج على 1/4 من تركة زوجته، مع توزيع الباقي وفقًا لقواعد محددة . الوفاة دون وصية بموجب هذا النظام القديم كان يمكن أن يؤدي إلى تقسيم الأصول بطرق لم تقصدها أبدًا، مما يسبب تأخيرات، وتكاليف إضافية، وخلافات عائلية، وحتى تجميد الحسابات المصرفية حتى تقوم المحاكم بتسوية الأمور . وعلى الرغم من وجود مسار محدود لاحتمالية استخدام قانون البلد الأصلي عبر المادة 1 (2) من قانون الأحوال الشخصية والمادة 17 (1) من القانون المدني، إلا أن هذا كان يتطلب عمومًا وجود وصية في المقام الأول . إصلاحات كبرى: شرح المرسوم بقانون اتحادي رقم 41 لسنة 2022
هنا تحسنت الأمور بشكل كبير للوافدين غير المسلمين. المرسوم بقانون اتحادي رقم 41 لسنة 2022 بشأن الأحوال الشخصية المدنية لغير المسلمين، والذي دخل حيز التنفيذ اعتبارًا من 1 فبراير 2023، أحدث تحولًا كبيرًا . ينطبق هذا القانون تلقائيًا على المواطنين والمقيمين غير المسلمين في الإمارات ما لم يختاروا تحديدًا تطبيق قانون بلدهم الأصلي بدلًا منه . إذًا، ما هو التغيير الكبير؟ بالنسبة لغير المسلمين الذين يتوفون دون وصية بعد 1 فبراير 2023، لم تعد مبادئ الشريعة الإسلامية هي الأساس الافتراضي التلقائي لتقسيم الأصول في الإمارات . بدلًا من ذلك، تحدد المادة 11 (2) من القانون الجديد توزيعًا افتراضيًا واضحًا: 50% من التركة تذهب إلى الزوج الباقي على قيد الحياة، والـ 50% المتبقية تقسم بالتساوي بين أبناء المتوفى، بغض النظر عن جنسهم . يمثل هذا خطوة هامة نحو المساواة بين الجنسين في الميراث الافتراضي . إذا لم يكن هناك أطفال، يحدد القانون كيفية تقسيم الأصول بين الزوج والوالدين أو الأشقاء . والأهم من ذلك، يؤكد القانون بشدة على حرية غير المسلمين في ترك أصولهم لمن يشاؤون من خلال وصية مسجلة . كما يؤكد صراحةً على الحق في اختيار تطبيق قوانين الميراث الخاصة ببلدهم الأصلي (المادة 1 (1)، المادة 11 (3)) . الحل: لماذا لا تزال بحاجة ماسة إلى وصية إماراتية مسجلة
حسنًا، إذًا القواعد الافتراضية الجديدة بموجب القانون 41/2022 توفر المزيد من الوضوح والإنصاف لغير المسلمين الذين يتوفون دون وصية. هل يعني ذلك أنه يمكنك التخلي عن الحصول على وصية؟ بالطبع لا. حتى مع هذه التغييرات الإيجابية، تظل الوصية الإماراتية المسجلة ضرورية لعدة أسباب رئيسية. أولًا، تضمن الوصية اتباع رغباتك المحددة، بدلًا من الاعتماد على أي توزيع افتراضي، سواء كان جديدًا أم قديمًا . أنت من يقرر من يرث ماذا. ثانيًا، الوصية هي الطريقة الرسمية لاختيار تطبيق قوانين الميراث الخاصة ببلدك الأصلي إذا كان هذا هو تفضيلك . ثالثًا، وهو أمر بالغ الأهمية للعائلات، تعد الوصية المسجلة الآلية الأساسية لتعيين أوصياء على أطفالك القصر المقيمين في الإمارات . رابعًا، يمكنك تعيين منفذ وصية تثق به لإدارة تركتك . أخيرًا، يساعد وجود وصية واضحة ومسجلة على تجنب الغموض المحتمل والتأخيرات والنزاعات، حتى في ظل النظام المُصلح . الاعتماد على وصية أجنبية يمكن أن يكون غير مؤكد؛ فلدى محاكم الإمارات سلطة تقديرية بشأن قبولها، مما قد يؤدي إلى تجميد الأصول أثناء اتخاذ القرارات، في حين أن الوصية الإماراتية المسجلة توفر قدرًا أكبر بكثير من اليقين . كيفية تسجيل وصيتك في الإمارات: الخيارات الرئيسية
لحسن الحظ، توفر الإمارات عدة مسارات واضحة لغير المسلمين لتسجيل وصاياهم، مما يضمن الاعتراف برغباتهم قانونيًا وتجاوز القواعد الافتراضية . إليك الخيارات الرئيسية: مركز خدمة وصايا مركز دبي المالي العالمي (DIFC Wills Service Centre)
يعمل هذا المركز ضمن الإطار القانوني العام لمركز دبي المالي العالمي (DIFC)، وهو مخصص لغير المسلمين . لا تحتاج إلى أن تكون مقيمًا في الإمارات لاستخدامه، فقط أن يتجاوز عمرك 21 عامًا ولم تكن مسلمًا قط . تُسجل وصايا مركز دبي المالي العالمي باللغة الإنجليزية ويمكن أن تغطي الأصول في دبي ورأس الخيمة، وربما في جميع أنحاء العالم، على الرغم من أن إنفاذها خارج الإمارات يعتمد على قوانين الدول الأخرى . تشمل المزايا اليقين القانوني، وتجنب القواعد الافتراضية الإماراتية، وتعيين أوصياء على الأطفال في دبي، والألفة لأولئك القادمين من خلفيات القانون العام، وعملية فعالة غالبًا ما تكون عبر الإنترنت . يقدمون أنواعًا مختلفة مثل الوصايا الكاملة (Full Wills)، ووصايا الممتلكات (Property Wills)، ووصايا الحضانة (Guardianship Wills) . مكتب تسجيل وصايا دائرة القضاء في أبوظبي (ADJD Wills Registration Office)
يقع هذا المكتب في أبوظبي ويعمل بنظام القانون المدني ولكنه مصمم لغير المسلمين (وحتى الوافدين المسلمين)، ويسمح بتسجيل الوصايا التي تغطي الأصول في جميع إمارات الدولة السبع . إنه خيار شائع نظرًا لنطاقه على مستوى الإمارات (على الرغم من أنه لا يمكن أن يغطي الأصول غير الإماراتية) وعمليته المبسطة عبر الإنترنت . تتطلب الأهلية أن يكون عمرك 21 عامًا فما فوق؛ والإقامة ليست إلزامية . يوفر اليقين، ويتجنب القواعد الافتراضية، ويسمح بتعيينات الحضانة، وهو فعال من حيث التكلفة (ذُكرت رسوم قدرها 950 درهمًا إماراتيًا) . بينما تتوفر النماذج باللغتين الإنجليزية والعربية، قد تحتاج الوصايا إلى ترجمة رسمية إلى العربية لاستخدامها في المحاكم المحلية . محاكم دبي (البر الرئيسي)
يمكن لغير المسلمين أيضًا تسجيل الوصايا مباشرة لدى كاتب العدل في محاكم دبي، والذي يعمل بموجب نظام القانون المدني في دبي . يعالج قانون دبي رقم 15 لسنة 2017 تحديدًا وصايا غير المسلمين، وهناك إدارة مخصصة للتعامل مع هذه الحالات . يمكن أن تغطي هذه الوصايا الأصول في جميع الإمارات السبع . تحتاج عمومًا إلى أن تكون غير مسلم، وعمرك 21 عامًا فما فوق، وقد تحتاج إلى بطاقة هوية إماراتية سارية المفعول . يضمن هذا المسار عدم تطبيق الشريعة الإسلامية ويسمح بالحرية في التوزيع والحضانة . يتمثل أحد الاختلافات الرئيسية عن مركز دبي المالي العالمي في أن الوصايا عادة ما تحتاج إلى ترجمة احترافية إلى العربية أو أن تكون ثنائية اللغة . خيارات أخرى
باختصار، تقدم محاكم سوق أبوظبي العالمي (ADGM) أيضًا خدمات الوصايا بالشراكة مع دائرة القضاء في أبوظبي . بالإضافة إلى ذلك، قد يستكشف بعض الوافدين تسجيل وصية في سفارة أو قنصلية بلدهم الأصلي في الإمارات، إذا كانت تلك الخدمة متاحة . تعيين الأوصياء: حماية أطفالك
أحد أهم الأسباب المقنعة للوافدين الذين لديهم عائلات لتسجيل وصية في الإمارات هو القدرة على تعيين أوصياء بشكل رسمي على الأطفال القصر . في حال حدوث ما لا يُحمد عقباه لكلا الوالدين، توفر الوصية المسجلة (عبر مركز دبي المالي العالمي، أو دائرة القضاء في أبوظبي، أو محاكم دبي) تعليمات واضحة بشأن من يجب أن يعتني بأطفالك المقيمين في الإمارات . بينما أدخلت القوانين الأخيرة مثل المرسوم بقانون اتحادي رقم 41 لسنة 2022 مفاهيم مثل الحضانة المشتركة بعد الطلاق لغير المسلمين ، فإن الوصية تعالج القضية الحاسمة المتعلقة بالوصاية عند وفاة الوالدين. خطوات عملية ونصائح رئيسية للوافدين
هل تشعر بالإرهاق؟ دعنا نبسط الأمر إلى خطوات عملية. أولًا، قم بجرد أصولك داخل الإمارات . بعد ذلك، قرر بوضوح كيف تريد توزيع تلك الأصول ومن ترغب في تعيينه كوصي على أي أطفال قصر . ثم، اختر آلية التسجيل التي تناسب احتياجاتك على أفضل وجه – مركز دبي المالي العالمي، أو دائرة القضاء في أبوظبي، أو محاكم دبي – مع مراعاة عوامل مثل موقع الأصول وتفضيل النظام القانوني . يوصى بشدة بطلب المشورة القانونية المتخصصة لضمان صياغة وصيتك بشكل صحيح وتسجيلها كما يجب . أخيرًا، تذكر أن الوصية ليست مهمة لمرة واحدة؛ قم بمراجعتها وتحديثها بشكل دوري، خاصة بعد الأحداث الحياتية الكبرى مثل الزواج أو الطلاق أو إنجاب الأطفال . التصرف بشكل استباقي هو المفتاح .